الحليب في ظل أزمة عالمية وفرصة محلية: هل تستطيع مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال مصنع حليب الأطفال؟

الحليب في ظل أزمة عالمية وفرصة محلية: هل تستطيع مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال مصنع حليب الأطفال؟

 في الوقت الذي يشهد فيه العالم أزمة متصاعدة في إنتاج وتوزيع الحليب، تكشف مصر عن تحرك جاد في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللبن المجفف المستخدم في إنتاج لبن الأطفال، وهي خطوة قد تُسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد ومواجهة التحديات الغذائية التي تواجه الأسر المصرية، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار عالميًا.

أزمة الحليب العالمية.. غذاء نادر وطلب متزايد

الحليب هو الغذاء الأول لكل طفل، ويُنتج العالم ما يقرب من مليار طن سنويًا، ما يجعله أكثر غذاء يُنتج عالميًا بعد الماء، ومع ذلك، لا يزال أكثر من نصف مليار طفل دون الرابعة في الدول النامية، يعاني ثلثهم من سوء تغذية وتقزم، ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الطلب على منتجات الألبان سيتزايد بوتيرة تفوق أي منتج زراعي آخر خلال العقد القادم.

لكن الأزمة تكمن في اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، فبينما تُنتج أوروبا وحدها ربع الحليب العالمي، لا تنتج الدول النامية التي تضم غالبية الأطفال سوى نصف الكمية تقريبًا، في وقت لا تُتيح طبيعة الحليب سريعة التلف إمكانية تصديره بسهولة.

شح في المعروض وارتفاع في الأسعار

أدت فجوة العرض والطلب إلى ارتفاع كبير في أسعار منتجات الألبان عالميًا، وفي نيوزيلندا، ارتفعت أسعار مسحوق الحليب كامل الدسم لأعلى مستوى في ثلاث سنوات، ما دفع الاتحاد الدولي للألبان للتحذير من عجز يبلغ 30 مليون طن بحلول عام 2030، ما يهدد وصول الحليب إلى الفئات الأكثر احتياجًا، خاصة الأطفال.

 المناخ يزيد الأمور سوءًا

الأخطر أن الحليب من ضحايا التغير المناخي ومُسبباته في الوقت نفسه، فدرجات الحرارة المرتفعة تخفض إنتاجية الأبقار بنسبة تصل إلى 10%، فيما تطلق الأبقار الحلوب 2.1 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا من خلال الميثان الناتج عن الهضم، أي ما يعادل ثلثي انبعاثات السيارات.

كما أن التحول نحو زيادة الإنتاج في الدول النامية – حيث البنية التحتية الزراعية أقل كفاءة – سيزيد من البصمة الكربونية للحليب، ما لم يتم الاستثمار في مزارع حديثة ومكثفة الإنتاج.

في مصر.. خطة لكسر التبعية واستعادة الإنتاج المحلي

في خضم هذه الأزمة العالمية، كشفت الحكومة المصرية عن تحركات لإنشاء مصنع لإنتاج لبن الأطفال محليًا، بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير منتج وطني بأسعار مناسبة.

وقال الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، إن مصر لا تملك حاليًا إنتاجًا كافيًا من اللبن المجفف بسبب نقص عدد رؤوس الماشية والأعلاف والمراعي، مؤكدًا أن اللبن المستخدم حاليًا في مصانع التعبئة يتم استيراده من الخارج.

وأضاف الوزير، خلال لقائه مع الإعلامي أحمد موسى ببرنامج “على مسئوليتي” على قناة صدى البلد، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وجّه بضرورة إنشاء مزارع أبقار حلابة لتوفير اللبن الخام اللازم لإنتاج اللبن المجفف.

وأوضح أن الوزارة تلقت عروضًا استثمارية عديدة من رجال أعمال مصريين لإنشاء المصنع، وتم الطلب منهم إعداد دراسات جدوى فنية ومالية. مشيرًا إلى أن مصر “قادرة على إنشاء مصنع لإنتاج لبن الأطفال”، بشرط وجود منظومة متكاملة تبدأ من تربية الماشية وتوفير الأعلاف وحتى التصنيع المحلي.

 هل تنجح مصر في استغلال الفرصة؟

مع تفاقم أزمة الغذاء العالمية وارتفاع أسعار الحليب، تبدو مصر أمام فرصة استراتيجية لإعادة بناء قطاع الألبان المحلي، ليس فقط لتقليل الواردات، بل لتأمين احتياجات ملايين الأطفال من منتج غذائي لا غنى عنه.

النجاح في ذلك يتطلب استثمارًا في سلاسل الإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي، وتحولًا نحو نماذج إنتاج أكثر كفاءة، قادرة على التوازن بين الأمن الغذائي والاعتبارات البيئية