شادي العدل يسلط الضوء على شعور المواطن بالوحدة والانفصال

شادي العدل يسلط الضوء على شعور المواطن بالوحدة والانفصال

في زحام الشوارع المصرية، بين ملايين البشر الذين يتقاطعون يوميًا في المواصلات والأسواق والميادين، يعيش المواطن المصري في وحدة قاسية. ليست الوحدة انعدام الرفقة أو غياب الأهل والأصدقاء، بل هي العزلة عن الدولة، عن مؤسساتها، عن تمثيله الحقيقي، عن وجود من يسمع صوته. شعورٌ غريب بأنك تعيش في وطنٍ كبير، لكنك فيه وحيد، لا أحد يلتفت لمشاكلك، لا مجالس محلية تُصلح شارعك المعطّل، لا نوابٌ يُحاسبون على تقصيرٍ في الخدمات، ولا شيوخٌ يرفعون قضاياك إلى حيث تُتخذ القرارات.

فمنذ حلّ المجالس المحلية عام 2011، فقد المواطن أقرب مؤسسة كانت -ولو نظريًا- تستمع إليه. كانت هذه المجالس، رغم كل عيوبها، قناة اتصال بين الأحياء والمراكز والمدن وبين الحكومة. كان العضو المحلي يعرف مشاكل منطقته، يضغط لصالحها، ويُحاسَب إذا قصّر. اليوم، المواطن لا يعرف إلى من يلتجئ عندما يفيض الصرف الصحي في شارعه، أو عندما تنقطع الكهرباء لأيام، أو عندما تتحول مياه الأمطار إلى بحيرة أمام منزله.

الدولة موجودة بقوانينها وأجهزتها، لكنها غائبة عن تفاصيل حياته. المواطن يشعر أنه يُترك ليواجه مشاكله وحده، بينما المسؤولون يعيشون في عالمٍ آخر. لم يعد هناك تمثيل حقيقي على المستوى المحلي، لا صوت يُسمع، لا شكوى تصل، لا حلول تُطرح.

أما على المستوى الوطني، فالأمر لا يختلف كثيرًا. مجلس النواب 2015 ومجلس 2020 لم يكونا معبّرين عن إرادة المواطن الحقيقية. تحوّلت الانتخابات إلى استعراضٍ شكلي، والنتائج كانت محسومة سلفًا. النواب الذين فازوا لم يأتوا بصوت الناس بقدر ما أتوا بترتيبات سياسية واجتماعية أبعد ما تكون عن الديمقراطية الحقيقية.

المواطن يشاهد جلسات البرلمان على التلفزيون، يسمع الخطابات الرنانة، لكنه لا يجد أثرًا لها على أرض الواقع. القوانين تُقرّ، الميزانيات تُوزّع، لكن مشاكله تبقى كما هي. لا أحد يسأل عن ارتفاع الأسعار، عن تردّي الخدمات الصحية، عن المدارس التي تتهاوى فوق رؤوس الطلاب. البرلمان أصبح صورة بلا مضمون، ومبنى ضخمًا بلا روح.

وأما مجلس الشيوخ، الذي كان من المفترض أن يكون “غرفة الخبراء” التي تراجع القوانين وتُعدّل السياسات، فقد تحوّل إلى مجرد ديكور سياسي. لا تحرّك، لا تسائل، لا تُغيّر. القضايا الكبرى التي تهم المواطن -مثل التعليم، الصحة، البطالة، الفقر- لا تجد طريقها إلى جلساته. الأعضاء المعيّنون يأتون بمعايير الولاء لا الكفاءة، والمُنتخبون منهم غائبون عن هموم الناس.

والآن، ونحن في خضم انتخابات مجلس الشيوخ 2025، يُطلب من المواطن المعزول أصلاً أن يكون “إيجابيًا”، أن يخرج ويصوت لمرشحين وقوائم لا تعبّر عنه. يُطلب منه أن يشارك في لعبة سياسية يعرف مسبقًا أن نتيجتها لن تغيّر من وحدته شيئًا.

فإذا استمر هذا الوضع في انتخابات مجلس النواب القادمة، ستكون النتائج وخيمة على كل الأطراف، المواطن سيشعر بمزيد من العزلة واليأس، وسيفقد آخر بقايا ثقته في العملية السياسية، والدولة ستفقد شرعيتها الشعبية، وسيزداد الانفصال بين الشعب والحكومة، والاستقرار الاجتماعي سيتأثر، لأن الناس عندما لا تجد من يستمع إليها، تبحث عن طرق أخرى للتعبير، وقد تكون غير سلمية.

ولكي نخرج من هذه الأزمة؛ لا بد من إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وهذا يبدأ بإعادة تفعيل المجالس المحلية بشكل ديمقراطي حقيقي، ليكون للمواطن ممثلون قريبون منه يحملون همومه، وكذلك إصلاح قانون الانتخابات لضمان تمثيل حقيقي للناس في البرلمان، بعيدًا عن التوجيه، وتفعيل دور مجلس الشيوخ كغرفة مراجعة وخبرة، لا كمجرد ديكور.

المواطن لا يريد وعودًا، يريد أن يشعر بأنه ليس وحيدًا. يريد أن يعرف أن هناك من يسمعه، من يمثله، من يقف إلى جانبه. وإلا، فالعزلة ستتحول إلى غضب، والغضب لا يُؤمن عواقبه.