قطارات العودة تغيّر ملامح سوق الإيجارات في مصر.. انخفاض واضح للأسعار في مناطق الجالية السودانية

في مشهد يعكس تحولات اجتماعية واقتصادية لافتة، تتواصل رحلات العودة الطوعية للمواطنين السودانيين من مصر إلى وطنهم، في خطوة من المتوقع أن تلقي بظلالها على عدة قطاعات، أبرزها سوق الإيجارات السكنية.
فبعد أشهر من استضافة مصر لمئات الآلاف من الأشقاء السودانيين الفارين من تداعيات الأوضاع في بلادهم، بدأت وتيرة العودة تتسارع، مدفوعة بجهود تسهيلية من الجانب المصري.
قطارات العودة.. 1000 مسافر كل إثنين
شهد يوم الإثنين الماضي انطلاق أول قطار ضمن خطة العودة الطوعية، حاملاً على متنه حوالي ألف مواطن سوداني من الراغبين في العودة إلى بلادهم.
وتؤكد مصادر مطلعة أن الخطة تشمل تخصيص قطار أسبوعي، ينطلق كل يوم إثنين، لتيسير عملية نقل السودانيين المقيمين في مصر إلى السودان، مرورًا بمحافظة أسوان الحدودية. هذه المبادرة تأتي في إطار التسهيلات المستمرة التي تقدمها الحكومة المصرية للأشقاء السودانيين.
وتكشف الإحصائيات الرسمية عن أرقام متزايدة للعودة، حيث بلغ عدد السودانيين الذين عادوا من مصر إلى السودان 165 ألف مواطن حتى أبريل 2025، ليرتفع هذا الإجمالي بشكل ملحوظ ليصل إلى 191 ألف مواطن بحلول نهاية يونيو 2025 فقط، مما يؤشر إلى وتيرة متصاعدة لعمليات العودة.
تأثير مباشر على سوق الإيجارات: “السوق أهدى والأسعار نزلت”
هذه الأعداد الكبيرة من العائدين بدأت تترجم إلى تأثيرات ملموسة على سوق الإيجارات السكنية في مصر، وخاصة في المناطق التي شكلت بؤرًا لتجمعات الجالية السودانية. مناطق مثل فيصل، الهرم، وسط البلد، مدينة نصر، أكتوبر، وحدائق أكتوبر، هي الأكثر تضررًا من هذا التراجع، وفقًا لما رصده سماسرة ومتعاملون في السوق العقاري.
يقول السيد سمير أحمد، وهو سمسار عقاري متمرس في منطقة شبرا مصر، إن “هناك نسبة كبيرة من الوحدات السكنية المؤجرة في الحي كانت مستأجرة من قبل إخواتنا السودانيين، ومع بدء عودتهم بشكل جماعي منذ بداية العام، أصبحت العديد من الشقق شاغرة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في المعروض وتراجع حاد في الطلب”.
ويُوضح “أحمد” لـ”الحرية”، حجم التغيير، قائلًا: “كانت هناك شقق كثيرة مؤجرة لأسر سودانية، واليوم يتصل بنا الملاك بصفة مستمرة لطلب إعادة تأجير هذه الشقق، لكن السوق أصبح أهدأ بكثير، والأسعار انخفضت في بعض الحالات من 3 آلاف إلى 2.5 ألف جنيه مصري”.
ويؤكد سمسار شبرا مصر، أن السودانيين كانوا يستأجرون آلاف الشقق في مناطق مثل فيصل، الهرم، إمبابة، العجوزة، حدائق الأهرام، أكتوبر، الحي السابع بمدينة نصر، العباسية، وعين شمس، وأن عودة أعداد كبيرة منهم قد أدت إلى إخلاء عدد كبير من هذه الوحدات، مما زاد المعروض بشكل كبير في تلك الأحياء.
ويُتابع أنه في المقابل، هناك مناطق مثل المهندسين، الزمالك، التجمع، أو الشيخ زايد، لم تشهد تواجدًا كبيرًا للجالية السودانية في سوق الإيجارات، ولذا فإن التأثير هناك ضعيف أو شبه معدوم.
تخفيضات مؤقتة ومستقبل غامض للسوق
ويؤكد السيد كيرلس جرجس، وسيط عقاري آخر، أن المناطق التي تميزت بكثافة سكانية من الجالية السودانية بدأت بالفعل تشهد “تباطؤًا ملحوظًا في حركة الإيجارات”، مضيفًا: “ملاك العقارات اضطروا إلى تخفيض أسعار الإيجار لجذب مستأجرين جدد، وهذا أمر طبيعي في ظل تراجع الطلب”.
ويشير جرجس، إلى أن “الطلب الكبير من السودانيين كان عنصر ضغط قويًا في السوق، ومع غيابه بدأت الأسعار تتراجع تدريجيًا، خاصة في الشقق المفروشة التي كانت تشهد إقبالًا كبيرًا منهم”.
وعلى الرغم من هذا التراجع، يتوقع “جرجس”، أن يكون هذا التراجع في الأسعار “مؤقتًا”، حيث سيستعيد السوق حيويته “لحين عودة الطلب على الإيجار في الارتفاع مرة أخرى، سواء من جنسيات أخرى أو من المصريين”، مؤكدًا أن سوق العقارات يتأثر دائمًا بـ “موسمية الطلب”، مثل شهور الصيف أو بداية العام الدراسي، مما قد يخفف من حدة التأثير على المدى الطويل.
وتظل الأيام القادمة هي الكفيلة بتحديد المدى الحقيقي والتأثيرات النهائية لرحلات العودة الطوعية على المشهد الاقتصادي المصري، خاصة في قطاعات مثل سوق الإيجارات التي بدأت تتأثر بشكل مباشر بهذه التغيرات الديموغرافية.