عبد الغني الحايس: مصر تمثل حصن القضية الفلسطينية

لا شك ان الوضع في غزة والضفة يزداد صعوبة، وتتفاقم المآساة يوميا، ولا يوجد بريق بحل رغم الوعود الامريكية، اليوم يقتل الفلسطينيين المحاصرين العزل بدم بارد، ووسط حصار مميت، وانعدام المساعدات، ومن لم يقتل بالرصاص قتل جوعا ومرضا وعطشا.
قطاع غزة تم تدميره بالكامل، وأصبح غير قابل للحياة، وحصار مفروض على من تبقي من سكان القطاع يعانون الجوع والموت معا.
الوضع في غزة يزداد صعوبة، وأصبح القتل بلا سبب، ولم تعد عبارات التضامن بلا معني.
لم تعد المؤتمرات ولا التوصيات ولا الوساطات بلا طائل.
لم تعد مظاهرات التنديد ومطالبة وقف القتل ومحاسبة إسرائيل تجد أذان تسمعها، واعين تراها، برغم انها طوفان بشري.
أصبح عقاب أي دولة في العالم من الولايات المتحدة الامريكية حصارا جاهز للقضاء عليهم، بسبب مواقفهم المناهضة لإسرائيل ولو كان تصريحا عابرا.
أصبحت المنظمات الأممية بلا صوت، بلا قرار، بلا ضمير، خرساء أمام الموقف الأمريكي.
أصبح الفيتو الأمريكي خنجرا في قلب الفلسطينيين، ورصاصة لمن يحاول انتقاد القرار، وعجزا من الجميع عن وقف هذا القتل والدمار.
اليوم أصبح هناك تغيير في المشهد واتمني ان يستطيع ان يغير في القرار الأمريكي، بعد ان تخلت بعض الدول الكبرى عن صمتها، وقيامها بالضغط علي إسرائيل بوقف تلك الحرب الهمجية.
وان التفاوض هو الطريق لاسترداد الاسري، فبرغم كل الدمار لم تحصل إسرائيل علي اسراها الا بموافقة حماس.
فلماذا استمرار القتل؟
يجب أن نعترف أن الإدارة الامريكية هي وحدها من يملك قرار وقف الحرب، وانها وحدها تعاقب كل المنظمات والمؤسسات والدول التي تقف ضد رغبتها وارادتها، ولن تسمح لأي منظمة بالمساس بإسرائيل، ولنا في الجنائية الدولية، وما سيصيب منظمة اليونسكو بعد خروجها منها، كذلك سحب دعمها المالي لكثير من الجمعيات والمنظمات والجامعات دليل اخر علي هذا التعنت.
شعوب العالم الحر تخرج يوميا في مظاهرات تطالب من حكوماتهم التدخل لوقف القتل.
دول خرجت من تحت المظلة الامريكية أعلنت عن اعترافها بدولة فلسطين، واتخذت اجراءت قوية ضد إسرائيل.
واخري امتثلت للخضوع والغطرسة الامريكية وسايرتها في نهجها طمعا وانتهازيه في رعايتها.
وإدارة أمريكية تقدم كل الدعم والمساندة والمساعدة لإسرائيل، في بطشها بدول المنطقة، بدعوي حماية وتأمين وجودها ودفاعا عن مصالحها.
توغلها في سوريا واليمن وحربها من ايران ولبنان يعد انتهاك لكل القوانين الدولية، والأعراف والمعاهدات ولكنها لم تحترم يوما تلك القوانين، ولم تنصاع لأي قرارات من تلك المنظمات، بل يتم تهديد المنظمات نفسها من قبل الإدارة الامريكية حال تعرضها لإسرائيل.
من يلوم الدول العربية والإسلامية علي موقفها المتخاذل من الضغط بكل الطرق الممكنة لوقف هذا التوحش الاسرائيلي.
تناسي أشياء كثيرة، منها عدم قدرة الدول علي معاداه الإدارة الامريكية، وانها لا تسطيع الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، او انها لا تستطيع تقديم مساعدات الي الشعب الفلسطيني إرضاء للراعي، وان مؤتمراتهم وشجبهم وادانتهم لم تخرج مقر اجتماعهم، ولم ينصت اليها.
الجميع الان يلوم مصر علي تخاذلها، يلوم مصر علي غلق المعابر، ولا أدري من أين جائوا بتلك الترهات، فالمعابر من الجانب المصري مفتوحة طوال الوقت، والمساعدات تصطف علي جانب المعبر إيذانا بالدخول الي القطاع، لولا التعنت الإسرائيلي.
وان الجانب المصري يجب ان يحترم التزاماته، ويحمي المساعدات ومواطنيه من القصف المحتمل الذي يطالهم، لذلك من المهم التنسيق مع الجانب الاخر في عمليات الدخول للمساعدات، انما يقينا وحقيقة ان الجانب المصري مفتوح دائما.
وان مصر من أكثر الدولة التي تساعد الشعب الفلسطيني، وأكثرهم مساهمة في المساعدات، والعلاج وغيرها من الأمور الكثيرة التي تقف فيها بموقف بطولي وشامخ ومشرف، وانها ضد التهجير وضد تصفية القضية الفلسطينية.
البعض يري أن الدور المصري قليل، بل من يعده انه غير موجود، وانها يطالب بفعل ما هو أكثر لكسر جمود تلك الازمة.
عليهم أن يعرفوا وسيكون هذا رأيي الشخصي، ان من يرون دور مصر هو العجز والتواطىء فهم مجموعه من عديمي الرؤية والبصيرة، لم يقرئوا المشهد جيدا، ولم يقرئوا تاريخ مصر في مساندة القضية الفلسطينية، وما قدمته مصر بعد أحداث السابع من أكتوبر وما قبلها بعقود.
من الخطأ ان تغلبك أفكارك الثورية، وأن تسمح القيادة السياسية المصرية بخروج المظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية، وان يقول المتظاهرون ما يريدون من شعارات وانهم في أخر يومهم سيعودون الي بيوتهم، يشاهدون البرامج والأفلام، ويسمعون الأغاني وهم يتناولون طعام العشاء.
أتذكر في أحد مظاهرات الدعم للقضية في ميدان التحرير، وقد رفعت علي الاعناق وتلك من المرات النادرة وهتفنا علي القدس رايحين شهداء بالملايين، وكنت أهتف بكل حمية وقوة، وكان بجواري الاخواني صفوت حجازي هو الاخر مرفوع علي الاعناق، وبعد ان تعبنا من الهتاف ذهب الجميع الي بيوتهم، بعد انتهاء المظاهرة.
صحيح لا انكر الدعم المعنوي والنفسي وان يدرك الاشقاء اننا معهم، وحقا هم يدركون ذلك بما يقوم به الجانب المصري من مساعدات، ووساطات، ورحلات مكوكية لقادة العالم للمساعدة في الضغط علي الولايات المتحدة لوقف الحرب.
لكن للأسف هؤلاء الرافضين للدور المصري، يريدوننا أن ندخل في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، حرب جديدة تقضي علي الأخضر واليابس، يريدون ان تحارب مصر إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
فاطلقوا لخيالكم العنان وبعيدا عن ثوريتكم، استنهضوا عقولكم النابهة ماهي نتائج تلك المواجهة؟
من الخاسر والرابح منها؟
ما مصير القضية بل ما هو مصير فلسطين أرض وشعب ان حدثت تلك المواجهة المباشرة؟
ما مصير سوريا ولبنان واليمن بل ما هو مصير وشكل جغرافية المنطقة بعد ذلك؟
وللعلم هذا ليس جبنا وخوفا، انما لو تم الاعتداء علينا لا قدر الله سنكون كلنا جنود في قواتنا المسلحة، لن نتهاون ولن تكسر كبريائنا أبدا، وسنكون مستعدين بكل طاقتنا وقوتنا للمواجهة.
لكنا سياستنا ان نسلك الطرق السليمة، وانها الوسيلة لحل تلك الخلافات، ومصر لا تبخل بجهد في سبيل الوصول الي حل، وقد أعلنت مواقفها واضحة، لابد من حل الدولتين، واقامه الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، وانها الحائط الحاجز ضد التهجير وتصفية القضية، وان ما يدار من شائعات مغرضة يقلل من هذا الدور هم متآمرين علي الوطن، يسعون الي تقويضه، ووقف مسيره نهضته وتقدمه.