إبراهيم خالد يكتب لـ«الحرية»: نجيب ساويرس.. الملياردير الذي يفتقر للمعرفة

من حق كل مواطن أن يُعبّر عن رأيه، لكن حين يتحدث رجل الأعمال نجيب ساويرس عن ثورة يوليو 1952 وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر، بطريقة تنمّ عن تجاهل تام للحقائق التاريخية، فإن من واجبنا أن نرد.
حين يصف ساويرس ثورة يوليو بأنها “بداية السقوط”، فلا يمكن أن نأخذ كلامه على محمل الجد، لأن الواضح أن الرجل — رغم ثروته الطائلة — يفتقر إلى الحد الأدنى من المعرفة الدقيقة بالتاريخ السياسي والاجتماعي لمصر. ولعل هذا ما يبرر وصفه بأنه ملياردير جاهل، لا لقلّة علمه الأكاديمي، بل لضعف وعيه السياسي وتحيّزه الطبقي الفجّ.
الثورة التي يتهكم عليها ساويرس، هي التي أنهت احتلالًا استمر لأكثر من 72 عامًا، وأسقطت نظامًا ملكيًا استبداديًا، وبدأت في تأسيس دولة الاستقلال والعدالة الاجتماعية. في عهد جمال عبد الناصر تم بناء السد العالي، الذي أنقذ مصر من خطر الفيضان والجفاف، وتم توصيل الكهرباء إلى القرى، وإنشاء أكثر من 1200 مصنع، إلى جانب توسيع شبكات التعليم والصحة في كل أرجاء البلاد.
فهل يمكن وصف كل هذه الإنجازات بأنها “سقوط”؟ أم أن السقوط الحقيقي هو ما شهده المصريون لاحقًا من تراجع اقتصادي وفساد سياسي في ظل تحالف رجال الأعمال مع السلطة، حيث نشأ وتضخم نفوذ أمثال ساويرس؟
نجيب ساويرس لم يكن يومًا منحازًا للدولة القوية أو السيادة الوطنية. لقد بنى إمبراطوريته الاقتصادية في عهد حسني مبارك، حين كانت السياسة والاقتصاد يخضعان للصفقات المغلقة، واحتكار القلة، وغياب العدالة الضريبية. وعندما طالبت الدولة في أعقاب ثورة يناير شركته بسداد ضرائب متأخرة بلغت 14 مليار جنيه، غادر البلاد إلى لندن، ولم يعد إلا بعد تغيّر النظام.
هذا السلوك لا يُمثل مواطنًا وطنيًا، بل يعكس نموذجًا لرأسمالية لا ترى في الوطن سوى سوق ومورد، لا يستحق إلا الحد الأدنى من الالتزام. بل يمكن القول إن ساويرس — بجسده يعيش في مصر، لكن بولائه الفكري — أقرب إلى دوائر النفوذ الغربية التي يرى فيها مظلته ومصدر أمنه.
ولعل من المفارقة أن يتكرر التاريخ بطريقة شبه حرفية؛ ففي عام 1952، رفض أحمد عبود باشا، أحد كبار رجال الأعمال، دفع ضرائب مستحقة عليه مقدارها 5 ملايين جنيه، فدفع بدلاً منها “مليون فرنك سويسري” إلى الملك فاروق عبر مستشاره الاقتصادي إلياس أندراوس، ليُقال بعدها رئيس الحكومة نجيب الهلالي باشا. واليوم، وبعد أكثر من سبعة عقود، نجد نجيب ساويرس يفعل الشيء نفسه: التهرب، الضغط، وتجاهل الدولة.
إن الجهل الذي نعنيه هنا ليس نقص الثقافة أو غياب التعليم، بل هو الجهل بتاريخ الشعب المصري، وبحقه في الكرامة والسيادة، وجهلٌ بأبسط معاني الوطنية الحقة.
وفي النهاية، فإننا لا نهاجم شخص نجيب ساويرس، بل نرفض أن يُسمح له أو لغيره بتشويه تاريخ المصريين وثوراتهم، أو أن يتحدث عن “السقوط” بينما هو أحد رموز مرحلة سقطت بالفعل أخلاقيًا وسياسيًا.
إذا كان يريد أن يخدم الوطن، فليبدأ بدفع ما عليه، وليدع الحديث عن ثورات صنعها شعب لا يعرفه إلا من وراء زجاج سياراته الفاخرة.