عندما يتحول الخبز إلى حلم… غزة تعاني من المجاعة

كتبت ـ هايدي عماد الدين
في غزة، لا تسمع أصوات الانفجارات بقدر ما تسمع أصوات الجوع، لا رائحة للبرودة، بل رائحة الخبر المفقود، والحليب الغائب، والبطون الفارغة، هنا لا يموت الناس من الحرب فقط، بل من صحن طعام لم يأت، ومن رغيف خبر لم يصل، غزة تلك البقعة الصغيرة المحاصرة، تختنق ببطء أمام عيون العالم، تذبح بصمت، وتجوع بكرامه، وتصمد كأنها خلقت من صخر وإيمان.
في غزة لم يعد الجوع حالة مؤقتة أو أزمة عابرة، بل صار واقعًا ثقيلاً يسكن كل البيوت، لا حديث يعلو على صوت البطون الخاوية، ولا أمنية تتكرر أكثر من «لقمة تسد الجوع»، غزة اليوم لا تحارب العدو فقط، بل تحارب الجوع، والعطش، والنسيان، الناس هناك لايعيشون، بل يصمدون.
في خيام بلا أبواب، وفي بيوت مهدمة بلا سقف، يقف الأطفال جائعين، لا يسألون عن ألعابهم التي فقدومها، بل يسألون عن رغيف الخبر، الوجبة في غزة قد تكون مجرد ماء مغلي بالملح، أو ورق شجر مطهو، حتى أيضا الرمال يأكلونها من قله الغذاء، أو لا شيء سوي الصبر، الوجع اليومي لايقاس بعدد الضربات، بل بعدد الأيام التي تمر بلا طعام.
يقول أب: «بقينا ناكل خبز يابس مرة في اليوم.. مش عشان دا اللي بنحبه، دا عشان هو اللي فاضل».
الامهات في غزة صرن بطلات في معركة لا سلاح فيها إلا الحب والكرامة، واحدة تصنع من الطحين المتعفن خبزاً تملأ به بطون أطفالها، وأخري تلهي أبناءها بقصص عن مائدة قادمة «إن شاء الله»، كل أم هناك تحمل على ظهرها هم أمة، وتخفي في قلبها دموعاً لا يراها أحد، تقول أم فلسطينية: «ابني بيصحي من النوم يقولي: ماما في فطور؟ وأنا مش عارفة أرد. بقيت أخبي دموعي عنهم».
رغم الجوع، لم تمتد يد الغزي للذل الناس يتقاسمون ما لا يكفيهم، يبتسمون في وجه الموت، ويختبئون الحزن في قلوبهم، ما زالوا يقولون «الحمد لله»، ليس لأنهم شبعوا، بل لأنهم صامدون رغم كل شيء.
الجوع لا يصرخ، لكنه يقتل أطفال يموتون في حضن أمهاتهم، ليسوا ضحايا القصف، بل ضحايا الجوع، وما يؤلم أكثر من الجوع، هو أن يموت الناس ولا يسمعهم أحد، أن يصرخوا ولا يرد عليهم أحد، أن يموتوا وهم ينتظرون فقط أن يهتم العالم.
المجاعة في غزة ليست مجرد جوع، بل موت بطيء للناس وللأمل، كل يوم يسقط فيه طفل أو مسن بسبب سوء التغذية أو العطش، أم تجلس بجوار ابنها المريض بلا دواء ولا طعام، ولا تملك إلا أن تسمح جبينه تهمس له أن الله كبير، كأن غزة تختبر في إنسانيتها، في صبرها، في قدرتها على الحياة بأقل من الحد الأدني.
الحرب تقتل مرة.. أما الحصار فيقتل كل ساعة، منع الطعام والدواء والماء ليس فقط تجويعًا، بل إعدام ببطء، المعابر مغلقة، والقلوب مغلقة، وغزة رغم كل ذلك، لا تنحني، ترفع رأسها بكرامة، وتحضن أبناءها بما تبقي من روح، تقول طفله عمرها 10 سنوات: «نفسي أشبع، بس خلاص بطلت أقول لماما إني جعانة، عشان ما أزعلهاش».