عز الدين الهواري يكتب: السلام والعنف الصهيوني المدعوم بالقوة وردود فعل الحكام العرب المتسمة بالذل والعار.

عز الدين الهواري يكتب: السلام والعنف الصهيوني المدعوم بالقوة وردود فعل الحكام العرب المتسمة بالذل والعار.

أمس فقط، أعلنت إسرائيل إيقاف ضرب سوريا. لم يكن ذلك بضغط أمريكي كما يحاول البعض أن يوهم الرأي العام، بل كان بقرار منفرد من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي صرح بوضوح أن إيقاف العمليات العسكرية تم بالقوة، ووفقًا لتقديرات إسرائيل وحدها، لا بطلب أو توصية من أحد. إسرائيل، وبحسب قوله، “تفعل ما تريد، وتوقف ما تريد، وقتما تريد”، لتثبت مرة أخرى أن السلام في هذا العصر لا يُصنع إلا بالقوة، وأن الكيان هو من يفرض شروط السلم والحرب، لا العكس.

لم يعد الحديث عن السلام مرتبطًا بمفاوضات أو رجاءات دولية، بل أصبح قرار الحرب والسلم حكرًا على من يملك القوة ويحتكرها. وقف إطلاق النار الأخير في غزة لم يكن نتيجة وساطة دولية أو ضغط أمريكي كما يُروج، بل بقرار مباشر من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي صرح بوضوح خلال الأيام القليلة الماضية قائلًا:

“نحن من أوقف إطلاق النار، وبالقوة. لم ننتظر طلبًا من أحد، لا من أمريكا ولا من غيرها، نحن من نقرر متى تنتهي المعركة ومتى تبدأ.

إسرائيل لا تُفرض عليها شروط، بل هي التي تفرض السلام أو الحرب بالقوة، ولا تأبه لا لواشنطن ولا لغيرها. الواقع اليوم أن السيطرة على المنطقة العربية صارت في يد المحتل ومَن يسانده، والكل من حولهم في حالة موت سريري: الكل مات، والكل بات عاجزًا حتى عن رفع سلاح صوتي، مجرد بيان شجب أمام الكيان الصهيوني.

السبب؟ لأن سلاحهم معهم، وتاجر السلاح العالمي وبلطجي الكوكب يقف خلفهم: أمريكا. من يُعارض؟ من يجرؤ؟ من يُصنّف خارج خانة الجبن؟ لا أحد. وبدلًا من أن تكون الجامعة العربية سيفًا، أصبحت مدفونة في مستشفى العجز الإقليمي، تعيش لحظات النهاية في غيبوبة مديدة. لا تحس، لا تنطق، لا ترى. فقط تصدر بيانات إدانة، بيانات تغرق في “غياب العار”، كما لو أن الشرف بات منسياً لا يُذكر في اجتماعات وزرائها.

أما حكام العرب والمسلمين، فهم لا يحسون بالمهانة، ولا يهتز لهم جبين خجل، وهم يصدرون بيانات تشجب انتهاك أعراض أوطانهم، ويصمتون على سحق شعوبهم. لم يعد فيهم من يعرف أن الكلمة أحياناً قد تكون سلاحًا، لكنها حين تُفرغ من روحها تصبح خيانة موثقة.

حتى أردوغان، الذي ملأ الدنيا صراخًا بأن “سوريا وتركيا مصير واحد”، انكشف على حقيقته. رجل يتاجر بكل قضية عربية وإسلامية، يزايد بلسانه، ويتربح بسلاحه، لكنه لم يُطلق رصاصة فشنك واحدة على الكيان الصهيوني. بل متهم هو، بل مدان بالتعاون معهم، بكل قوة. كيف لا وتركيا – كما تؤكد أرقام التبادل التجاري – شريك تجاري معلن للكيان المحتل؟ فهل هذا هو الحليف الإسلامي؟!

وفي زمن الانبطاح، لا صوت يعلو فوق صوت الذل، إلا من اليمن. نعم، لا صوت غير صوت اليمن – ذلك البلد الذي كنا نظنه منشغلًا بجراحه الداخلية – فإذا به، ورغم خلافاتنا مع الحوثي، يرفع وحده سلاح الشرف والمقاومة، بكل عزة وشرف. الحوثي، رغم كل شيء، هو الوحيد الذي يُوصف اليوم بالشرف، الوحيد الذي رفع راية العزة في وجه طغيان أمريكا والغرب، وفرض عليهم التفاوض والاتفاق، بل أغلق أكبر ميناء صهيوني، وقطع خطوط الإمداد والحصار، بينما “دول عربية شقيقة لفلسطين” تساند الكيان، وتفتح له أبواب الغذاء والسلاح ليتم ذبح أهل غزة بالجوع وبالقصف اليومي.

نعم، الحصار اليوم مزدوج: الموت بالجوع، والموت بالقصف. ولأهل غزة أن يعيشوا الجحيم وحدهم، بينما تُذبح شرف العروبة والإسلام على حدودها. أين سوريا؟ أين لبنان؟ أين العراق؟ أين تركيا؟ أين الأردن؟ وأين مصر؟ لا أحد يستطيع ردع هؤلاء القتلة. أحفاد من وصفهم التاريخ والكتب السماوية بأنهم “أنجس البشر”، قتلة الأنبياء، يسيرون الآن على أرضنا، ويُحكمون قبضتهم لأننا ببساطة فقدنا القدرة على المواجهة.

نحن أمام خيانة مكشوفة، وعمالة لا تخفى حتى على العميان. لا جنّ، ولا إنس، يشك في أن ما يحدث هو تواطؤ كامل مع تآمر الغرب المسيحي الصهيوني، الذي لم يعد يتحرج من تعرية نواياه، وإحياء حروبه الصليبية بوجه مكشوف ضد أمتنا.

لكن، مهما طال الزمن، ومهما اشتد الظلام، فلن تكون لنجمة داوود أي بقاء في منطقتنا. هذا وعد الله، وهذا مصداق لقول نبيه صلى الله عليه وسلم عن غزة، حين أخبر أن فيها سبعين ألف شهيد، ومن بعدها يكون النصر المؤكد، وعد مشهود، لا رجعة فيه. السؤال الآن: ماذا سيكون موقف المسلمين؟ إن كانوا فعلًا مسلمين!

والحق أنني لا أظن أن هناك من بقي مسلمًا بالمعنى الحقيقي، لقد أنهوا الإسلام من قلوب الناس، قضوا على وجوده، ولم يتركوا لنا إلا “الهلس”، والرقص، والفساد. أمة لا عقيدة لها، ولا شريعة تُطبق. حتى الأزهر، ذاك الذي كان منارة الأمة، سقط في بحر البيانات الصامتة المذله ، لم يعلن الجهاد، ولم يخوّن من لم ينصر فلسطين، وكأن لا قرآن أنزل، ولا حديث شريف بقي، ولا وصية نبوية تُحرّك ضمائر الفقهاء.

غزة تُستغيث… ولا مغيث. وأمتنا في سبات، فلا عجب أن تُستباح كل أرض، وتُهتك كل حرمة، وتُذبح كل مقاومة.