محمد هلال يكتب: لماذا نشارك في الانتخابات من خلال التحالف مع أحزاب الموالاة وبعض أطراف المعارضة عبر القائمة المغلقة المطلقة؟

في الوقت الذي تتصاعد فيه التساؤلات وأحيانًا الانتقادات داخل أوساط القوى الديمقراطية بشأن قرار الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن تحالف انتخابي يعتمد نظام القائمة المغلقة المطلقة ويضم بين مكوناته عددًا من أحزاب الموالاة وبعض أحزاب المعارضة، يصبح من الضروري توضيح موقفنا السياسي من هذه المشاركة، ليس دفاعًا عن قرار مؤسسات الحزب فحسب، بل احترامًا لعقول جمهورنا الذي يثق بنا وينتظر تفسيرًا وطنيًا مسؤولًا لهذا الخيار.
بدايةً، من المهم التأكيد على أننا كحزب نرفض نظام القائمة المغلقة المطلقة ونعتبره نظامًا انتخابيًا غير عادل، يقصي التعددية ويكرّس هيمنة مغلقة على حساب التنافس السياسي الحر. لكن هذا هو النظام القائم والمفروض قانونيًا وسياسيًا، ولا يمكن تغييره بقرار أحادي. من هنا يجب التمييز بين موقفنا المبدئي الرافض لهذا النظام، وبين إدارتنا البراغماتية للعملية السياسية في ظل معطيات الواقع. فالرفض لا يعفينا من مسؤولية الانخراط الواعي في المشهد السياسي، بما يحفظ حضور الحزب ويتيح له مساحات للتأثير والنمو داخل الإطار المتاح.
الأمر يتجاوز الشكل الانتخابي إلى سؤال أوسع يتعلق بالمناخ العام للعمل السياسي. هل نملك، كقوة مدنية ديمقراطية محدودة الموارد، الأدوات التنظيمية واللوجستية اللازمة لخوض الانتخابات على النظام الفردي وحده؟ هل لدينا القواعد الشعبية الكافية لخوض معركة انتخابية في ظل تضييقات يعرفها الجميع؟ الأمانة تقتضي الاعتراف بأن الهامش السياسي قد تقلص بشدة، وأن آفاق بناء قاعدة شعبية مؤثرة لا تتحقق بالابتعاد الكامل عن العملية الانتخابية، بل تحتاج إلى وجود سياسي مستمر، ولو محدودًا، يمنحنا صوتًا ومنبرًا داخل البرلمان، وفرصة للبقاء والنمو.
وقد عبّر عدد من قيادات الحزب خلال اجتماع الهيئة العليا الأخير عن أن الانسحاب الكامل أو الاكتفاء بالترشح الفردي من شأنه أن يضعنا في موقع المعارضة الشكلية، التي قد تُستغل إعلاميًا من قبل النظام للإيحاء بضعف حجم المعارضة. ومن ثم فإن مشاركتنا لا تعني الذوبان في تحالف بلا ملامح، بل تعني الإمساك بخيط الفعل السياسي، والعمل ضمن الممكن للحفاظ على استمرارية الحزب كفاعل حقيقي، لا كشاهد صامت.
ما نطمح إليه من خلال هذه المشاركة هو تعزيز حضور الحزب سياسيًا وشعبيًا عبر مرشحينا في القائمة، الذين سيعملون بحرية نسبية في دوائرهم، ما يتيح لنا مساحات للانتشار وبناء التراكم، فضلًا عن دعم مرشحينا على النظام الفردي. فالقائمة تمنحهم غطاءً سياسيًا أوسع، وقدرة على الحركة والعمل والتواصل مع المواطنين، وهو ما لا يتوفر بنفس المستوى في حال خوض الانتخابات بالنظام الفردي فقط.
ومع إدراكنا الكامل لما يحيط بهذا التحالف من تناقضات، فإن مشاركتنا لا تمثل تراجعًا عن مبادئ الحزب أو انحرافًا عن خطه السياسي، لأننا نشارك من موقع الاستقلال لا التبعية. نحن ندرك تمامًا الفرق بين تحالف انتخابي مؤقت يخضع لضرورات الواقع، وبين تحالف سياسي مستمر يفترض قدرًا عاليًا من التقارب في الرؤى والمواقف، وهو ما لا ينطبق على بعض الأطراف المشاركة.
إن جمهورنا من النخبة والمهتمين بالشأن العام ممن يعوّلون علينا كممثل للعقلانية السياسية في مصر يستحقون هذا التفسير الواضح. نحن لا نبرر خطأ، بل نشرح خيارًا صعبًا في لحظة دقيقة، ونراهن على وعي جمهورنا وعلى قدرة الحزب على البقاء والاشتباك مع الواقع، لا الهروب منه.
إن الحضور الناقد أقوى من الغياب الصامت، والحزب الذي يختار العزلة عن الواقع، ولو بحسن نية، يفقد بمرور الوقت صلته بالناس وتأثيره في المجال العام. ومن ثم فإن قرارنا بالمشاركة ليس انحناءً للعاصفة، بل محاولة ذكية للعبور منها دون أن نخسر كل أوراقنا.
لهذا نشارك، ولهذا نوضح، ولهذا نظل على عهدنا مع جمهورنا في أن نظل الطرف الذي يملك صوتًا مختلفًا في زمن اختلطت فيه الأصوات، ويملك عقلًا نقديًا لا يتعالى على الناس ولا يهادن السلطة، بل يراهن دائمًا على السياسة بوصفها فعل الممكن من أجل المستقبل.
محمد هلال
عضو الهيئة العليا أمين مساعد الجيزة
بالحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي