عز الدين الهواري يتناول: الفارق بين طالبان والشرع أو الجولاني وإيلي كوهين 2.. استرجاع الأرض أم استسلامها؟

عز الدين الهواري يتناول: الفارق بين طالبان والشرع أو الجولاني وإيلي كوهين 2.. استرجاع الأرض أم استسلامها؟

في لحظة فارقة من تاريخنا الحديث، وعقب انسحاب آخر جندي أمريكي من مطار كابول، وقفت حركة “طالبان” على أنقاض احتلالين: السوفيتي فالأمريكي. 20 عامًا من الحرب، لم تعترف طالبان يومًا بشرعية أي وجود أجنبي، ولم تستبدل البندقية بورقة تفاوض مقابل اعتراف دولي. تحررت أفغانستان بدماء أبنائها، وخرجت أمريكا مذلولة، تتوسل وقف إطلاق نار مؤقت لتأمين انسحاب قواتها.

ورغم أن طالبان حركة إسلامية سنية، فإن 52 دولة إسلامية لم تعترف بحكمها، لا تركيا، ولا قطر، ولا حتى الدول التي احتضنت مفاوضاتها. وحدها روسيا، الدولة التي غزت أفغانستان في الثمانينات، قدمت إشارات اعتراف ضمني، في مفارقة سياسية أشبه بنكتة سوداء.

لكن لنتوقف هنا ونسأل: إذا كانت طالبان حاربت الجميع ولم تساوم، فمن يكون أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني؟ وما هو مشروعه في سوريا؟ هل حرر؟ أم سلّم؟ وهل كان يقاتل من أجل سوريا أم بالوكالة عن مشروع صهيو-أمريكي بواجهة إسلامية؟

الجولاني رئيس سوريا الفعلي: عندما يتحول “التحرير” إلى غطاء للاحتلال

ربما لم يصدق كثيرون أن “أحمد الشرع”، المكنى بأبي محمد الجولاني، سيُصبح ذات يوم الرجل الأول في سوريا، ليس بحكم صناديق انتخاب، ولا شرعية شعبية، ولا حتى بانقلاب عسكري، بل عبر عملية معقدة من التسلّم والتسليم بين أجهزة استخباراتية إقليمية ودولية، كان طرفها المعلن “هيئة تحرير الشام”، وطرفها الفعلي إسرائيل والغرب.

فبعد أكثر من 12 عامًا من الحرب في سوريا، وبعد أن عجز الجولاني عن تحرير مدينة واحدة، فوجئ الجميع بأنه في ظرف 24 ساعة فقط من تحذير نتنياهو لبشار الأسد، اجتاح الجولاني ما تبقى من المدن السورية، و”حررها”، أو بالأدق تسلّمها من النظام دون قتال، تمامًا كما حدث في تسليم بغداد لقوات الاحتلال الأمريكي عام 2003، وكما سلّمت الموصل لداعش، وتل أبيب لغولدا مائير.

لكن “تحرير الجولاني” لم يكن تحريرًا من المحتل، بل كان تجريدًا ممن تبقى من الجيش السوري، وتجريدًا من أوراق المساومة، وفتحًا للبوابة الشرقية لدمشق أمام الاحتلال الصهيوني.

إسرائيل تضرب.. والجولاني يبتسم

منذ أن خرج تحذير نتنياهو العلني لبشار الأسد، شهدنا خلال أيام: اجتياح الجولاني للمدن السورية. صمت تام أمام ضربات إسرائيلية متواصلة.

تدمير منهجي لما تبقى من الجيش السوري ومراكز دفاعه الجوي. احتلال جبل الشيخ، ووصول القوات الإسرائيلية إلى 20 كم فقط من العاصمة دمشق. ضرب القصر الرئاسي أكثر من مرة، دون أي رد من النظام، أو من روسيا، أو من “هيئة تحرير الشام”.

وهنا نطرح السؤال: من الذي حرر سوريا؟ ومن الذي سلّمها؟ هل أصبح الجولاني هو كمال أمين ثابت رقم 2، ذلك الاسم المستعار لجاسوس الكيان الصهيوني إيلي كوهين، الذي كاد أن يُصبح رئيسًا لسوريا في الستينيات؟

لماذا لم تمسّ روسيا بسوء؟ ولماذا لم تُطلق رصاصة على إسرائيل؟

إن أخطر ما في مشروع الجولاني، أنه أزاح إيران وحزب الله من بعض المواقع، دون أن يلمس روسيا أو قواعدها. بل وأكثر من ذلك، لم يُطالب بطرد روسيا، رغم أنها:

دمرت سوريا بالبراميل المتفجرة. نفذت أكثر من 85 ألف غارة جوية ضد المدنيين. احتفظت بقواعد دائمة في حميميم وطرطوس. لم تطلق صاروخًا واحدًا ضد إسرائيل رغم مئات الغارات على دمشق ومحيطها.

فهل كان الجولاني يقاتل إيران فقط؟ أم أن حربه كانت بالوكالة عن إسرائيل لتصفية النفوذ الإيراني فقط، لا من أجل الشعب السوري ولا من أجل تحرير القدس؟

الأرض المحتلة تزداد بعد دخول الجولاني

من المفارقات الكبرى، أن إسرائيل وسّعت رقعة احتلالها بعد وصول الجولاني إلى سدة “الحكم” الفعلي في الشمال:

جبل الشيخ، رمز السيادة السورية، أصبح بالكامل تحت الاحتلال. الاقتراب من العاصمة دمشق مسافة 20 كيلومترًا. تدمير الجيش السوري بالكامل تقريبًا. قصف القصر الرئاسي، دون رد. وبالمقابل: لم يُطلق الجولاني طلقة واحدة على إسرائيل. لم يُهدد القواعد الروسية.

لم يدعُ إلى مقاومة شعبية حقيقية. بل دخل في مفاوضات وتسويات، وأصبح “طرفًا موثوقًا” في معادلة الصراع. فأي “ثورة” هذه التي تنتهي بتوسيع الاحتلال الصهيوني؟ وأي “تحرير” ينتهي بتدمير الجيش الوطني وتسليم البلاد للعدو؟

الحرب الوكيلة.. والمخطط الصهيو-أمريكي

ما جرى في سوريا لم يكن فوضى، بل خطة مُحكمة: إسرائيل أرادت طرد إيران وحزب الله، لا لتحرير سوريا، بل لتأمين حدودها. روسيا أرادت تثبيت وجودها العسكري مقابل السكوت عن التمدد الإسرائيلي.

الجولاني نفذ المهمة، وفرّغ الثورة من مضمونها، وارتدى عباءة “المجاهد”، وهو في الحقيقة يسلم مفاتيح الأرض لمن كان عدوًا.

ولم يكن هذا ليحدث إلا بـ دعم خليجي كامل للمشروع. تسهيلات استخباراتية تركية وغربية. صمت دولي عن الاحتلال الصهيوني المتصاعد.

بين طالبان والجولاني: الدرس الأخير

طالبان انتصرت لأنها رفضت الاعتراف قبل التحرير، وضحّت بكل شيء لضمان سيادة وطنية كاملة. والجولاني انهزم لأنه اختار أن يكون جزءًا من اللعبة الدولية، ما ساهم في توسيع الاحتلال الصهيوني وتفكيك الجيش السوري.

إن الفارق بين المسارَين:

طالبان قاتلت المحتل، ولم تفاوض قبل أن يخرج من الأرض. الجولاني تفاوض وساوم، وأدى دوره في تسليم سوريا لدوائر القرار الخارجية.

وإن لم يُدرك الشعب السوري والعربي هذا الدرس، فستتحول إدلب إلى “غزة أخرى”، ودمشق إلى “بيروت جديدة”، وحينها لن نجد في بلاد الشام غير جثث، وفصائل مدجنة، وحدود أمنية إسرائيلية تمتد حتى ضفاف الفرات.

وها هو الواقع يُثبت أن الجولاني لم يُعد مجرد قائد فصيل مسلح، بل أصبح بالفعل رأس النظام الجديد في الشمال السوري، باعتراف أمريكي غير مباشر، وبتسهيلات تركية، ودعم لوجستي وغربي. إذ تم رفع العقوبات عنه رسميًا، وجرى تقديم مساعدات لهيئته باعتبارها “سلطة أمر واقع”. وفتحت له قنوات الاتصال السياسية والإنسانية، تحت غطاء محاربة الإرهاب وتثبيت الاستقرار.

نحن لا نعيش زمن التحرير، بل زمن إعادة تعريف الاحتلال بلغة جديدة، وبوجوه كانت تدّعي أنها جاءت لتقاتله.