مجدي حمدان يكتب لـ«الحرية»: أبعاد الأزمة السياسية الحالية

حين ينظر المواطن المصري إلى مجلس الشيوخ، لا يرى سوى فراغ سياسي يتكرر في كل دورة انتخابية: أداء باهت، مشهد روتيني لا يتغير، جلسات لا تثير نقاشًا عامًا، وغياب تام لأي معارضة أو استجوابات حقيقية تعكس هموم الناس أو تطالب بمحاسبة المقصرين.
لقد تم تسويق مجلس الشيوخ كغرفة تشريعية داعمة للعمل البرلماني ومكملة له، ولكن الواقع الذي فرضته السلطة هو تحجيم هذا المجلس وتحويله إلى مجرد ختم حكومي على قرارات معدة سلفًا في دهاليز السلطة التنفيذية. فلا رأي مستقل، ولا تمثيل حقيقي، ولا حتى محاولات خجولة للاعتراض.
إن اختفاء أي مظهر للمعارضة الحقيقية، واندماج أعضاء المجلس في خطاب الحكومة، وتجاهلهم لملفات الفساد وسوء الإدارة وتراجع الخدمات، جعل من مجلس الشيوخ جسدًا بلا روح. وأكثر من ذلك، فإن غالبية الأعضاء باتوا ينظرون إلى مقاعدهم كمنصب شرفي أو مكافأة سياسية، لا كمسؤولية وطنية تجاه الناس.
وإذا كنا نبحث عن تفسير منطقي للعزوف الشعبي الهائل عن انتخابات مجلس الشيوخ، فعلينا أن نعود إلى الأرقام: نسب المشاركة في الدورة السابقة بالكاد لامست 14% من إجمالي الناخبين. أما التفاعل الشعبي مع الانتخابات الحالية، فيكاد يكون معدومًا، وكأن المصريين قرروا ألا يضيعوا وقتهم في مشهد لا قيمة له.
لقد نجحت السلطة في قتل المعنى السياسي لأي استحقاق انتخابي، لا بالمقاطعة المباشرة فحسب، بل باللامبالاة. وهذا أخطر ما يمكن أن يحدث في أي نظام سياسي: أن يفقد الناس إيمانهم بجدوى الصناديق، وأن يتحولوا إلى متفرجين على مسرحية يعرفون نهايتها مسبقًا.
إن المواطنين اليوم لم يعودوا يثقون بمجلس لا يُسائل وزيرًا، ولا يواجه أزمة، ولا يدافع عن حق.
مجلس لم نسمع منه موقفًا تجاه تفاقم الأسعار، أو أزمة السكن، أو التعليم، أو الكوارث الصحية المتلاحقة. مجلس صامت، يطأطئ رأسه في حضرة السلطة.
ومن هنا، فإن أي محاولة لإحياء الأمل في المشاركة السياسية لا يمكن أن تبدأ إلا من مراجعة جذرية لطبيعة هذه المجالس، وأدوارها، وشخوصها. فالمواطن لن يذهب إلى الصندوق إن لم يشعر أن صوته سيحدث فرقًا.
وهنا لا بد من دق ناقوس الخطر: إن المواطن الذي لا يجد من يُعبّر عنه داخل قبة البرلمان، سيبحث عن منبر آخر. وإذا استمر تغييب الصوت الشعبي وتجاهل آلام الناس، فلن يكون غريبًا أن يعودوا إلى الميادين، حيث يُسمَع الصوت عاليًا، ولو بعد حين.