خطبة الجمعة اليوم: “برافو ابن عباس” … التصدي للفكر المتطرف من خلال الحوار والمعرفة

أعلنت وزارة الأوقاف المصرية في إطار جهودها المستمرة لترسيخ الفكر الوسطي ومكافحة التطرف، عن موضوع خطبة الجمعة اليوم 11 يوليو 2025، الموافق 16 محرم 1447 هجريًا، بعنوان: “لله درك يا ابن عباس”.
حيث دعت الوزارة جميع الأئمة إلى الالتزام بالنص أو المضمون، وأكدت على ألا تتجاوز خطبة الجمعة اليوم في مجملها خمس عشرة دقيقة، التزامًا بالتوجيهات الدعوية الحديثة وتحقيقًا للتركيز والإيجاز.
وتأتي خطبة الجمعة اليوم في سياق معالجة واحدة من القضايا الفكرية والدينية التي تُلقي بظلالها على واقعنا المعاصر، من خلال استدعاء موقف تاريخي حافل من حياة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، المعروف بـ”حبر الأمة” و”ترجمان القرآن”، الذي واجه جماعة الخوارج بالحجة والعلم والفهم الصحيح للنصوص الشرعية.
قراءة في مضمون خطبة الجمعة اليوم
تناولت خطبة الجمعة اليوم جانبًا من أبرز المشاهد الفكرية في التاريخ الإسلامي، عندما واجه ابن عباس الخوارج الذين كفّروا المسلمين ورفعوا شعارات ظاهرها ديني وباطنها عنف وتكفير.
واستندت الخطبة إلى حادثة المناظرة الشهيرة بينه وبينهم، والتي كانت نموذجًا راقياً في تفكيك الفكر المتطرف بالحوار الراقي والعقلانية، وليس بالسيف أو القمع.
وطرحت الخطبة تساؤلات جوهرية، موجهة إلى جماعات العنف والتكفير في عصرنا الحديث، مفادها: هل أنتم تفهمون حكم الله كما ينبغي؟ وهل تدركون مقاصد الشرع أم تتعاملون مع النصوص بظاهرية مفرطة تعزل الدين عن واقعه ومقاصده العليا؟
لماذا ابن عباس؟
اختارت وزارة الأوقاف أن تركز خطبة الجمعة اليوم على شخصية ابن عباس لأنه كان من أوائل من أسس لفهم دقيق ومعاصر للنصوص، يراعي السياق والمقاصد، وينأى عن الجمود والانغلاق.
وكان يتمتع بعلم غزير، وعقل واعٍ، وقدرة مميزة على الحوار والإقناع، وهو ما أهّله لمواجهة التيارات المتشددة في عصره، بالحجة وليس بالقوة.
وفي زمن كانت فيه الفتن الفكرية تفتك بالأمة، تصدى ابن عباس للخوارج، بعد أن كفروا المجتمع الإسلامي استنادًا لتفسيرهم المتشدد لآيات الحكم، خاصة قوله تعالى: {وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
ورد عليهم بالحجج الشرعية، فتمكن من استمالة ما يقارب ألفين وخمسمائة رجل من هذه الجماعة، وأعادهم إلى جماعة المسلمين، في سابقة تاريخية تؤكد أهمية الحوار والعلم في مواجهة الانحراف.
خوارج الماضي.. خوارج الحاضر
لفتت خطبة الجمعة اليوم إلى العلاقة بين فكر الخوارج في العصور الإسلامية الأولى، والتيارات المتطرفة المعاصرة التي أعادت إنتاج الشعارات ذاتها، مثل: “لا حكم إلا لله”، مستخدمة ذات الأدوات والأساليب في التكفير والتفجير، ورفض الآخر، وتكفير المجتمع والدولة تحت ذرائع شرعية مشوهة.
وفي هذا السياق، حملت الخطبة رسالة واضحة موجهة إلى ما يُعرف بـ”خوارج العصر الحديث”، مؤكدة أن الإسلام الحقيقي لا يعرف العنف، ولا يستحل الدماء، ولا يهدم الأوطان، بل هو دين رحمة وعدل ووسطية.
فالله عز وجل قال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فكيف يبرر بعضهم القتل باسم الله؟ وكيف يتحول الشرع الحنيف إلى أداة تهديد وترويع بدلًا من أن يكون مصدر طمأنينة وهداية؟
الضمير الحي.. محور الخطبة الثانية
وفي الخطبة الثانية، تناولت وزارة الأوقاف موضوعًا ذا صلة وثيقة بالفكر والسلوك، ألا وهو الضمير.
فالضمير في الإسلام هو الرقيب الداخلي، والضمانة الحقيقية لسلامة الفرد والمجتمع، وهو الذي يحول دون الانحراف في السر قبل العلن، في القلب قبل اللسان.
وأشارت الخطبة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرّف الإحسان بأنه: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، مؤكدة أن هذه القاعدة التربوية تهدف إلى غرس الضمير الحي في النفس البشرية، ليردعها عن ارتكاب الخطأ، ويدفعها نحو الخير حتى في غياب الرقيب الخارجي.
لماذا اختارت الأوقاف هذا الموضوع الآن؟
في ظل ما يشهده العالم من تصاعد في موجات العنف والتطرف، تتجه وزارة الأوقاف المصرية نحو تفعيل دور المنابر الدينية في نشر الفكر المستنير، وتحصين العقول ضد موجات الغلو والتشدد، وهو ما يتجلى بوضوح في موضوع خطبة الجمعة اليوم.
فالوزارة لم تكتف بالتحذير من الفكر المنحرف، بل قدمت نموذجًا تاريخيًا عمليًا لمواجهته، وقدّمت رسالة ضمنية للأئمة والدعاة أن التصدي للتطرف يبدأ من المنبر، وأن بناء العقول لا يقل أهمية عن محاربة الإرهاب بالسلاح.
الأوقاف تواصل خطة “التجديد”
في سياق موازٍ، تأتي هذه الخطبة ضمن خطة التجديد الفكري التي تتبناها وزارة الأوقاف بقيادة الدكتور محمد مختار جمعة، والتي تقوم على اختيار موضوعات تربوية وفكرية تلامس واقع الناس، وتبتعد عن التكرار والجمود، وتركز على بناء الوعي، ومواجهة الفكر المتشدد بالحوار والنصوص الصحيحة.
التزام الأئمة.. وتأثير الخطاب الديني
وأكدت وزارة الأوقاف على ضرورة التزام جميع الأئمة بموضوع الخطبة نصًا أو مضمونًا، مشددة على ألا تزيد الخطبة عن 15 دقيقة.
ويندرج هذا ضمن سياسة الوزارة في ضبط الخطاب الديني وتوجيهه بما يخدم الدولة والمجتمع، ويحمي الشباب من الوقوع فريسة في شباك الجماعات المتطرفة.
ولاقت خطبة الجمعة اليوم تفاعلًا كبيرًا بين المصلين ومرتادي المساجد، حيث أشاد الكثيرون بموضوعها ومضمونها، معتبرين أنها تمثل خطوة جادة نحو تصحيح المفاهيم، وتفكيك الأفكار المتشددة، وتعزيز قيم الوسطية والتسامح.
خطبة الجمعة اليوم.. رسالة وعي وحصانة فكرية
يمكن القول إن خطبة الجمعة اليوم تمثل نموذجًا يحتذى به في استخدام المنبر الديني كأداة للتنوير لا للتلقين، وللمواجهة لا للمجاملة.
حيث قدّمت معالجة فكرية متوازنة لقضية قديمة حديثة، وهي التطرف الفكري، وأظهرت كيف يمكن للعلم والرحمة أن يكونا أقوى من الرصاص والقمع.