عز الدين الهواري: نداء عاجل – القاهرة تعاني من الاختناق.. من سيتدخل لإنقاذ العاصمة قبل فوات الأوان؟

في قلب القاهرة، لم تعد الحرارة مجرد درجة في ميزان الطقس، بل أصبحت اختناقًا مستمرًا، عبثًا نبحث عن ظل شجرة، أو نسمة عابرة، أو حديقة عامة يمكن لأطفالنا أن يركضوا فيها، أو كبارنا أن يتنفسوا هواءً نقيًا بغير مقابل.
القاهرة، العاصمة التي كانت يومًا تُلقّب بـ”أم الدنيا”، تُذبح الآن على يد الإسمنت، ويُخنق فيها أكثر من ثلاثين مليون مواطن بين جدران الباطون والخرسانة والقرارات العمياء. كل شبر أخضر، كل فراغ تنفسي، كل احتمال لفسحة أو ظل، تحوّل إلى “برج استثماري” أو “كافيه” أو “مول” يُدر الملايين لجيوب لا يهمها إن ماتت العاصمة اختناقًا.
وأقولها عن تجربة شخصية، كلما ذهبت إلى مكان، وكان هناك قطعة أرض بها حديقة، أو كانت خالية بين عمارات، أو متوسطة لمجمع سكني، مثل ما يحدث بالمعراج أو زهراء المعادي، أو حتى زهراء مدينة نصر، أجدها قد تحولت إلى كتلة خرسانية. لماذا لا توجد أي سياسة لإيجاد حدائق عامة؟ أين الخطة الوطنية التي تقول إن أي مساحة متوفرة داخل المدن لا بد أن تتحول إلى متنفس أخضر للناس، لا إلى مشروع عقاري جديد؟
ارحمونا. كفى بيعًا لكل شبر في البلد.
ملعون أي استثمار إذا كان على حساب حياة الناس وصحتهم وراحتهم وحقهم في الظل والنفس. مصر ليست فقط الـ5 مليون من الأثرياء الذين تُفصّل الدولة لهم كل شيء الآن، بل هي الـ105 مليون الآخرين، الذين يُحاسبون على النفس، ويُطاردون حتى في فسحة الهواء.
أين وزارة التخطيط؟
بل اسمحوا لنا أن نسأل: هل لدينا بالفعل وزارة تخطيط حضري في هذا البلد؟
وأين المحليات التي من المفترض أن تُوازن بين التنمية وحق الناس في الحياة؟
هل تُخططون للمدن أم تُخططون فقط لزيادة أسعار الأراضي؟ هل أنتم مسئولون عن القاهرة كعاصمة يعيش فيها بشر أم فقط كخريطة استثمار على ورق؟
لقد تحولت أحياء القاهرة إلى فرن كبير بلا نوافذ.
المساحات الخضراء التي كانت تزين العباسية، والزمالك، ومصر الجديدة، وشبرا، وحتى أحياء الطبقة المتوسطة والشعبية، اندثرت. لا يوجد متنفس واحد يُنقذ العائلات من السكن داخل جهنم مفتوحة.
نحن لسنا ضد التنمية، ولا ضد الاستثمار،
لكننا ضد تخطيط أعمى لا يعترف بإنسانية الإنسان،
ضد محليات لا تعرف أن الظل شجرة،
وأن الفسحة ضرورة وليست ترفًا.
المسئولية الآن ليست أخلاقية فقط، بل وجودية.
لو استمرت القاهرة بلا شجر، بلا مساحات عامة، بلا متنفس، فسنشهد أكبر موجات النزوح من داخل العاصمة إلى خارجها، ليس طلبًا للراحة، بل هروبًا من الجحيم.
أيها المسؤولون، أيها المخططون الذين لا نرى لهم تخطيطًا:
كفى تدميرًا لما تبقى من روح هذه المدينة.
افتحوا نوافذ للهواء قبل أن نموت اختناقًا.
أعيدوا الاعتبار للحدائق العامة، للفسحة، للهواء، للظل،
قبل أن تحكم علينا العاصمة بأحكام إعدام جماعي… ببطء، وبحرارة، وبلا نفس.