محمد سعد عبد اللطيف يكتب: حاتم.. عندما يتحد المال مع السلطة وتختفي القوة الناعمة

“الملهوش خير في حاتم… ملهوش خير في مصر..!”
لم تكن مجرد جملة سينمائية، بل أيقونة سوداء اختزلت تحالف الفساد بين السلطة والهيبة الزائفة، بين القهر والسكوت، بين رجل الأمن المتغوّل ووعي شعبي خاضع ومُشوَّه.
“حاتم” ليس شخصية درامية عابرة، بل هو تجسيد لظاهرة تمتد في كل مفصل من مفاصل حياتنا العامة والخاصة…,,
في مجتمعاتنا المغلقة، خاصة في الريف، حين يُقبل شاب في كلية الشرطة أو يُعيّن وكيلًا للنيابة، يتحول الحدث إلى عيد قومي داخل العائلة والقرية.
تُذبح الذبائح، تُرفع الرايات، وتُكتب التهاني كما لو أننا أمام نصر وطني.
لا يُسأل أحد عن الكفاءة أو النزاهة، بل فقط: “هو بقى باشا…؟”
المأساة الأكبر أن “حاتم” لم يعد يرمز فقط لرجل السلطة، بل أصبح نموذجًا يتم تصنيعه وإعادة إنتاجه داخل كل مؤسسة.
من موظف مجلس المدينة إلى مدير الشركة القابضة، من مأمور الضرائب إلى موظف التموين… الكل يسعى لأن يصبح “حاتمًا صغيرًا” في مجاله، يمتلك سطوة ويُطاع.
هنا، يتداخل النفوذ بالمال، وتكتمل المعادلة القديمة الجديدة:
المال السياسي.
هذا الزواج الكلاسيكي بين الثروة والسلطة، الذي حذّرنا منه عقلاء هذا الوطن منذ عقود، بات اليوم حقيقة تُطبع على أوراق الدولة الرسمية.
رجل الأعمال يتزوج من ابنة المسؤول، والمقاول يصبح نائبًا، والسياسي يتحول إلى مستثمر، بينما تتقاطع المصالح في صفقات مشبوهة تباركها جماعات المصالح، وتُجمّلها عبارات الوطنية الزائفة.
لكن الأخطر من “حاتم”، هو صمت القوة الناعمة.
زمان، كانت السينما مرآة تنوير وجرأة.
أفلام صلاح أبو سيف، صرخات يوسف شاهين، كلمات نجيب محفوظ، وحوارات وحيد حامد، كلها كانت تصفع الوعي وتنير العتمة.
أما اليوم، فقد انسحبت الكاميرا من ميدان التعرية وكشف المستور، وارتدت عدسات بلاستيكية تصوّر كل شيء، وتقول لا شيء.
تحوّلت بعض المنصات الفنية إلى أدوات تجميل لسلطة الواقع، بدلًا من أن تكون قنابل ضوء في وجه العتمة.
بات الفنان رهين الإنتاج الخاضع، والسيناريست موظفًا لدى السوق، والمخرج أسير ما لا يُغضب أحدًا.
وغابت الأفلام التي تسأل: من أين جاء حاتم؟ ولماذا لا يُحاسب…؟ وما الثمن الذي ندفعه جميعًا في ظل سلطته الصامتة….؟
أليست هذه فوضى….؟
أليست نُسخة رديئة من “ما قبل الدولة”؟
إن العلاج لا يبدأ من “حاتم” وحده، بل من تفكيك البيئة التي أنجبته وربّته ومجّدته:
فصل حقيقي بين رأس المال والسلطة.,!
–إعادة تعريف الوظيفة العامة كخدمة لا كامتياز طبقي.
تجديد وعي جمعي يرى الإنسان بفعله لا بزيه الرسمي.
–واستعادة الفن والإعلام لدورهما الطبيعي كقوة ضمير، لا كأدوات تطبيع مع الاستبداد الناعم.,,,
فمن لا يرى الخير إلا في “حاتم”، لن يرى الخير أبدًا في وطن.
والأوطان لا تُبنى بالخوف والتطبيل، بل بالوعي، والمساءلة، والحرية…,!!