إبراهيم خالد يكتب لـ«الحرية»: جيل السبعينيات.. إنجازات شخصية وإخفاق جماعي

تابعتُ خلال العقدين الأخيرين – من موقعي كصحفي ومراقب للمشهد العام – كيف تعثّر جيلٌ كامل من المصريين في الوصول إلى المكانة التي يستحقها. أتحدث هنا عن جيل مواليد أواخر الستينيات والسبعينيات، الذي ينتمي إليه كثيرون ممن امتلكوا التعليم والكفاءة والفرصة، ثم لم يصلوا.
لا أكتب هذه الكلمات على سبيل اللوم أو العتاب، بل أقصد تمامًا ما أقول: هذا جيلٌ ظلم نفسه.
لقد عاش جيل السبعينيات لحظة فارقة من تاريخ مصر. وُلد في زمن الانكسار بعد نكسة 1967، وشبّ على وقع انتصار أكتوبر، وعاصر مرحلة الانفتاح، ودرس في جامعات لا تزال تحتفظ بقدر من التماسك. وفي منتصف شبابه، دخل الألفية الجديدة وفي يده كل المفاتيح، لكنه لم يفتح شيئًا، لأنه لم يتعلم فنون «اللعب الجماعي».
ما لاحظته وأثق فيه تمامًا هو أن أبناء هذا الجيل – سواء في الإعلام أو السياسة أو الثقافة – فشلوا في تكوين شبكات دعم حقيقية. غلبت عليهم الغيرة المهنية، والندية المفرطة، وتصيد الأخطاء. بدلًا من أن يدعم بعضهم بعضًا، أو يراكموا نجاحات جماعية، رأيناهم يتناحرون على فرص محدودة، ويتسابقون إلى الظهور الفردي.
لقد عاصرتُ صحفيين لامعين من هذا الجيل – على سبيل المثال لا الحصر – مثل مجدي الجلاد، وعماد الدين حسين، ووائل الإبراشي (رحمه الله).
اقرأ أيضًا: إبراهيم خالد يكتب لـ«الحرية»: السلفيون واليهود.. تقاطع مصالح أم تواطؤ؟
لكن كلًّا منهم اشتغل لحسابه، دون تنسيق يُذكر. لم يُؤسسوا جبهة صحفية قوية كما فعل الجيل الذي سبقهم، ولم يُخرجوا تلاميذهم على فكرة التراكم الجماعي.
وفي السياسة، رأينا شخصيات – مثلًا لا حصرًا – كأيمن نور، وعمرو حمزاوي، وغيرهم ممن حاولوا، لكنهم سرعان ما سقطوا، إما بسبب غياب الحاضنة الجيلية، أو لأنهم انشغلوا بخلافاتهم الصغيرة عن معاركهم الكبرى.
أنا لا أكتب بمرارة، بل بشيء من الخجل الذاتي. لقد توفرت لنا كل الظروف لنُحدث تحولًا حقيقيًا، ولم نفعل. لم نُكوّن مؤسسات قوية، ولا مشاريع إعلامية مستقلة وجماعية، ولا حتى تحالفًا سياسيًا ناضجًا.
حتى في الثقافة، تميز جيلنا بأسماء لامعة كإبراهيم عيسى وخالد الخميسي، لكن أين «تيار أدبي» يحمل ملامح هذا الجيل؟ أين المواقف المشتركة؟ أين التضامن الحقيقي حين يتعرض أحدنا للظلم أو الإقصاء؟ في الغالب.. لا شيء.
جيل مواليد الخمسينيات صنع تيارات متماسكة في الأدب، والسياسة، والصحافة. اختلفوا، نعم، لكنهم تكاتفوا حين اقتضى الأمر. أنشأوا مدارس فكرية، ومجلات، وأصواتًا جماعية. أما نحن، فاخترنا النميمة على المقاهي، و«الوشايات» في الكواليس، والفرح الخفي بفشل الزميل المنافس.
رغم كل شيء، لا أظن أن الوقت قد مضى. لدينا الخبرة، والعلاقات، والعقول. لكننا نحتاج فقط إلى إعادة تعريف علاقتنا ببعضنا البعض: أن نكفّ عن التلاسن، والتراشق، والتنافس غير الشريف، ونستبدله بالتعاون، حتى في حدوده الدنيا.
هل يمكن أن نُطلق مبادرة إعلامية تعاونية؟ هل يمكن أن نُصالح بعضنا بعضًا، ونعترف بأننا خذلنا أنفسنا؟ هل يمكن أن نستثمر خبرتنا في تدريب من هم أصغر منّا، دون غِيرة أو شعور بالتهديد؟
هذا الجيل، إن قرر، يستطيع أن يُعيد كتابة نهايته. فقط لو تحرر من ذاته، ومن ظلال الحسد، ومن وهم أن النجاح لا يتسع إلا لفرد واحد.
وإذا لم نفعل، فربما يكتب التاريخ عنا: جيل الفرص التي ماتت لأن أصحابها لم يتصافحوا.