عبد الغني الحايس: عبد الناصر المتهم والمُتَضرر

أيام و نحتفل بذكرى حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، وكالعادة يكثر الجدل بين مؤيد ومعارض، ويتحول الرئيس عبد الناصر فيها الى المحاكمة السنوية، يستخدم المدافعون عنه كل ارثة وانجازاته، ويتبارى الجانب المعارض بالصاق كثير من القصور والإخفاقات التى أصابت عهده، من نكسة يونيه 1967 وغيرها.
فعندما قامت حركة الضباط الأحرار فى يوليو 1952 كانت تهدف الى مبادىء ستة هى القضاء على الاقطاع، والاستعمار، وسيطرة رأس المال على الحكم، واقامة حياة ديمقراطية سليمة، واقامة عدالة اجتماعية، واقامة جيش وطنى قوى.
وكان بيان الثورة الأول يوضح ان الجيش يطهر نفسة من الخونة والفاسدين والمتأمرين وسيتولى الضابط أمرهم بنفسهم لتطهير الجيش ليعمل لصالح الشعب محترما الدستور والقانون .
استطاع الجيش السيطرة على الأمور فى البلاد، وأجبر الملك للتنازل عن العرش لولى عهدة الأمير احمد فؤاد، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، وبقى مجلس قيادة الثورة يقود البلاد .
حتى كان عام 1954 تم الغاء الملكية واعلان الجمهورية، ودخل عبدالناصر الذى انفرد بالحكم في مواجهة تحديات كثيرة، فأصدر قانون الإصلاح الزراعي الذى عارضه الاقطاعيون، وسعى لبناء دولة قوية بعد أن تخلص من تبعية الإحتلال، وجلاء الإنجليز عن مصر، وأقام نهضة صناعية كبرى، وأمم قناة السويس، ودحر العدوان الثلاثي، وبني السد العالى، وأقام مجانية التعليم، وغيرها من الانجازات.
وفي المقابل يرى معارضوه أن عصره شهد تكميم للحريات، والقضاء على الديمقراطية، والغاء الاحزاب السياسية، والتأميم والمصادرة لممتلكات الأغنياء، وزادت حدة البطش بعد هزيمة 1967 بدعوى القضاء على اعداء الوطن، غير قيامه بقمع معارضيه من الشيوعين والإخوان المسلمين، وخصومة السياسيين، والتحكم في احكام الرقابة على الصحف والاعلام بصفة عامة.
نحن جيل شاهدا ما انتجته السينما بعد رحيله من فيلم احنا بتوع الأتوبيس والكرنك، شاهدنا حلقات طارق حبيب في حوارة مع 121 ممن كانوا رعيل تلك الحركة، منهم من انصفه ومنهم من خذله في شهادته، ونحن مازالنا نتعثر في ظل فوضى المذكرات الشخصية وما يقال عن عهده.
أنا صراحة هنا لا أستطيع ان انقل ما قاله بعض المعاصريين كحسين حمودة وهو من الرعيل الاول من الضباط الاحرار في مذكراته، او عبدالمنعم عبدالرؤوف فى مذكراتة أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، وعبدالمنعم أمين، ومحمد نجيب في مذكراته كنت رئيسا لمصر، ود عبدالعظيم أنيس في مذكراته رسائل الحب والحزن والثورة، وخالد محي الدين في الان اتكلم، والسادات في البحث عن الذات، الهامى سيف النصر فى كتابة معتقل ابوزعبل، او انيس منصور في كتابة عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا، ولويس عوض وغيرهم كثيرون ممن كتبوا فصولا عن تلك تلك الحقبة الزمنية ايجابا وسلبا وبدون انصاف.
ورغم كل ما وجدناه في الكتب لا نستطيع ان نحكم على عهد عبدالناصر، هذا الرجل الذى خرجت الجماهير زاحفة في مصر والوطن العربي تطالبه بالعدول عن التنحى، واستمراره في الحكم برغم الهزيمة المريرة، فقد وجدوا فية القائد والملهم والمنقذ.
قد اعترف ان التسريب الاخير لعبدالناصر مع القذافي يعكس لنا تغيير كبير في شخصيتة وتصرفاته السياسية، وانة أصبح محنك لم يتسجيب الى اندفعاته، أصبح يزن الامور بشكل منطقي، فأعاد هيكلة القوات المسلحة، واخذ في الاعداد للمعركة القادمة لاسترداد الارض مهما كانت العقبات، ودخل سريعا في حرب الاستنزاف التى كلفت العدو خسائر فادحة، حتى قبل مبادرة رودرجز ووقف القتال.
لم يمهل القدر عبدالناصر لكى يستر الارض التى سلبت منه، ورحل عبدالناصر بعد الضغوط التى عايشها واسلم الروح بعد اطفاء نيران ازمة ايلول الاسودن لتخرج مصر والعالم العربي يحملون النعوش ويبكين عبدالناصر.
جنازة عبدالناصر شاهد حى لكل من يحاول ان ينهش في عصره، فقد احب الشعب واخلص له، فأحبه الشعب حيا وميتا.
لكن من الصعب الحكم على تلك الفترة المليئة بالمتناقضات، وتحتاج حقا الى إعادة ضبط تاريخي، حتى لا نقع فريسة للكتب التى مازالت على الارصفة، ومازال البعض يكون وجهة نظرة مما يقع تحت يديه، وخصوصا ان الكل كان قريب الصله به، او تعرض لحادث عرضى في عهد.
رحم الله عبدالناصر وطيب الله ثراه.