عزالدين الهواري يكتب: بريكس والحماية من التمدد اليهودي—استقلال لا يكتمل إلا بتوجيه ضربة قوية للجذر.

منذ تأسيسها في 2006، طرحت مجموعة “بريكس” نفسها كبديل واعد لنظام عالمي أنهكته أحادية القطب وهيمنة المؤسسات المالية الغربية. إلا أن التجربة الممتدة لما يقرب من عقدين، تؤكد أن “بريكس” لا تزال تتعامل مع التحديات البنيوية للاقتصاد العالمي بقدر عالٍ من الحذر والتجزئة، رغم توفر كافة المعطيات التي تبرر التحول الجذري.
حديث وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف في قمة “بريكس” الأخيرة بريو دي جانيرو مثّل لحظة صدق نادرة، حين أقرّ بأن العقوبات الغربية سرعت من مساعي الاستقلال المالي، وأن التجربة أثبتت هشاشة الثقة في المؤسسات الغربية التي “يمكنها تعطيل المعاملات في أي لحظة وهو تصريح يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الغرب لا يتعامل مع الاقتصاد كأداة تعاون، بل كسلاح سياسي.
لكن السؤال الجوهري يبقى: لماذا تظل خطوات “بريكس” تجاه إسقاط هذه الهيمنة بطيئة، مجزأة، وأحيانًا تجميلية؟
اللوبي الصهيوني: العمود الفقري للهيمنة المالية
لفهم مأزق “بريكس”، يجب أن نضع أيدينا على حقيقة لا يمكن تجاهلها: أن من يدير الاقتصاد العالمي من وراء الستار ليس فقط واشنطن أو وول ستريت، بل شبكة من اللوبيات الصهيونية التي تتقن لعبة السيطرة من خلف الكواليس. هي شبكات لا تستند فقط إلى المال، بل إلى نمط فكري تاريخي يقوم على الهيمنة والتحكم، انطلاقًا من كونهم أقلية ذات ذاكرة نفي واضطهاد، تُتقن صنع أدوات السيطرة قبل الثقة.
وفي هذا السياق، فإن أي مشروع تحرري اقتصادي كـ”بريكس”، لن يبلغ مأمنه إلا إذا تحرر من النفوذ اليهودي الصهيوني، ليس فقط في المؤسسات الغربية، بل أيضًا في اختراقات غير مرئية داخل اقتصادات الدول النامية والأسواق الناشئة.
فطبيعة العقلية الصهيونية، القائمة على تركيز الثروة، وتطويع التشريعات، وخلق مؤسسات موازية، تجعل من مشاركتها في أي مشروع جماعي خطرًا بنيويًا، لا تكتيكيًا. إنهم لا يدخلون اقتصادًا إلا ليستولوا عليه، ولا يشاركون في تجارة سلاح إلا ليضبطوا مفاتيحها.
لماذا لا تعلن “بريكس” فك ارتباطها التام؟
رغم تأسيس “بنك التنمية الجديد”، واعتماد بعض دول “بريكس” على العملات الوطنية، فإننا لم نر حتى الآن إعلانًا صريحًا لفك الارتباط الكامل بمنظومة الدولار، أو فرض قيود على اختراق اللوبي الصهيوني لمفاصل التجارة والبنوك. فحتى تجارة السلاح داخل دول المجموعة، لا تزال في بعض أجزائها تمر عبر شركات يهودية أو تخضع لرقابتها التقنية.
هذا التردد لا يمكن تفسيره فقط بالحذر السياسي، بل ربما بتغلغل المصالح وغياب مشروع متكامل. وحتى اللحظة، تفتقر “بريكس” لرؤية استراتيجية موحدة تتعامل مع الاقتصاد كمسألة سيادة، لا كمجرد تبادل تجاري.
خارطة طريق لإسقاط الهيمنة
إن الطريق الوحيد أمام “بريكس” للتحول من كيان رمزي إلى قوة حقيقية مضادة، هو بناء مشروع تحرري صريح، يرتكز على الأسس التالية:
إعلان قطيعة اقتصادية مع البنية التحتية الغربية: بدءًا من نظام “سويفت” وحتى وكالات التصنيف الائتماني.
حظر وجود الصهاينة في أي كيان اقتصادي مشترك: لا كخبراء، ولا كمستشارين، ولا كشركاء في البنية التكنولوجية أو التمويلية.
توسيع التجارة بالعملات الوطنية وربطها بمعايير موحدة: كالذهب أو سلة سلع استراتيجية.
تشكيل غرفة طوارئ مالية داخل “بريكس” لإدارة الأزمات بعيدًا عن تدخلات صندوق النقد والبنك الدولي.
إنشاء وكالة معلومات اقتصادية مستقلة تتولى رصد تغلغل المصالح الغربية والصهيونية داخل الدول النامية.
التجربة الصينية نموذجًا
يمكن الاستفادة من تجربة الصين، التي تدير 95% من تجارتها مع روسيا الآن خارج المنظومة الغربية، باستخدام اليوان والروبل فقط، وتعمل على تأسيس شبكات بنكية بديلة، دون الاعتماد على أنظمة خاضعة للرقابة الغربية [1].
كما أن الزيادة في حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين، والذي بلغ 245 مليار دولار، يؤكد أن خيار الانفصال المالي قابل للتحقق إذا توفرت الإرادة السياسية والتخطيط الاستراتيجي.
“بريكس” اليوم أمام مفترق طرق تاريخي: إما أن تكون قوة حقيقية تسعى لقطع جذور الهيمنة الغربية-الصهيونية، أو تظل مجرد مظلة خطابية تخشى من تسمية العدو الحقيقي. وعلى قادة المجموعة أن يدركوا أن اللحظة لم تعد تحتمل المناورة، وأن من يتأخر عن فك الارتباط، قد يجد نفسه غدًا تحت نفس الهيمنة التي أراد أن يهرب منها.