هبة صالح تكتب: المرأة المصرية وانتخابات الشيوخ.. عصر الانخراط الفعّال بدلاً من التظاهر

هبة صالح تكتب: المرأة المصرية وانتخابات الشيوخ.. عصر الانخراط الفعّال بدلاً من التظاهر

مع اقتراب موعد ماراثون الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ المصري، تتجدد الآمال بأن يشهد هذا الاستحقاق الانتخابي مرحلة جديدة من ترسيخ مبدأ التمثيل العادل والمتوازن داخل الحياة النيابية المصرية.

وفي ظل ما يشهده المجتمع من تطورات سياسية واجتماعية، تُعد قضية تمكين المرأة من أبرز الأولويات التي تفرض نفسها بقوة، ليس باعتبارها مطلبًا ثانويًا أو مكمّلًا للمشهد الديمقراطي، بل بوصفها قضية وطنية جوهرية تمسّ صميم مفاهيم العدالة والمواطنة والمساواة.

لقد استطاعت المرأة المصرية أن تخطو خطوات كبيرة وملحوظة في مجال المشاركة السياسية خلال العقود الماضية، بعدما ناضلت طويلًا من أجل نيل حقوقها المشروعة، وإثبات كفاءتها وقدرتها على الإسهام في العمل العام، ليس فقط من منطلق المطالبة بحقوقها، بل انطلاقًا من شعورها العميق بالمسؤولية تجاه الوطن.

فمشاركة المرأة لم تكن يومًا حدثًا طارئًا أو حديث العهد، بل هي نتيجة لمسار طويل من الكفاح الوطني والاجتماعي، تجسَّد في مشاركتها الفاعلة في الثورات الوطنية، وفي أدوارها المؤثرة في مجالات التعليم، والتنمية، والعمل الخيري، وصولًا إلى المشاركة الفعلية في الحياة النيابية والتشريعية.

وإذا عدنا إلى الوراء، نجد أن تاريخ المرأة المصرية مع البرلمان بدأ مبكرًا مقارنة بدول المنطقة، حيث دخلت المرأة رسميًا مجلس الأمة عام 1957، من خلال فوز كلٍّ من راوية عطية وأمينة شكري بعضوية المجلس، لتكون مصر بذلك أول دولة عربية تمنح المرأة حق الترشح والانتخاب والدخول إلى البرلمان عبر التصويت المباشر.

وقد مثَّل هذا الحدث محطة فارقة في مسيرة المرأة السياسية، وجاء تتويجًا لنضال قادته نساء رائدات مثل هدى شعراوي ودُرِّيَّة شفيق، اللتين فتحتا الباب أمام الأجيال التالية للمطالبة بالمشاركة المتساوية في صنع القرار.

ومنذ ذلك الحين، لم تغب المرأة عن المشهد البرلماني المصري، بل توالت أسماء نسائية لامعة تركت أثرًا ملموسًا تحت قبة البرلمان، وأسهمت في سنّ القوانين، ومناقشة التشريعات، وطرح القضايا المجتمعية المهمّة، بخاصة تلك التي تخص المرأة والطفل وحقوق الإنسان.

ومن بين هذه النماذج البارزة، نجد أنيسة حسونة، التي اشتهرت بدفاعها الشجاع عن قضايا الصحة العامة وحقوق المرضى، فضلًا عن مواقفها الواضحة تجاه قضايا الحريات.

كما برزت الدكتورة هبة هجرس، كنموذج مُلهِم لذوي الهمم، إذ مثّلت صوتًا قويًا لهذه الفئة داخل الحياة التشريعية، وساهمت في إقرار عدد من القوانين الداعمة لهم.

ورغم أن بعض النساء لم يدخلن البرلمان، فإن تأثيرهن في صناعة القرار لا يقل أهمية، مثل فايزة أبو النجا، التي شغلت مناصب رفيعة، وساهمت في رسم السياسات العامة للدولة، ومهّدت الطريق لتغيير النظرة التقليدية لدور المرأة في المناصب التنفيذية.

وفي ضوء هذه التجربة الغنية، تتجه الأنظار اليوم نحو انتخابات مجلس الشيوخ بوصفها فرصة جديدة لتعزيز تمثيل المرأة، ليس كمجرد رقم في المعادلة الانتخابية، بل كشريك حقيقي في صياغة السياسات، والرقابة على الأداء، وبناء المستقبل.

فالمجتمع الذي يؤمن بقدرات المرأة، ويمنحها المساحة الكافية للعمل السياسي والتشريعي، هو مجتمع أكثر توازنًا واستقرارًا ووعيًا.

وفي النهاية، فإن تمكين المرأة سياسيًا لا يعني فقط منحها مقعدًا تحت القبة، بل يتعلق قبل كل شيء بتغيير الثقافة المجتمعية التي قد لا تزال تحصر دورها في أدوار تقليدية، وتقديم الدعم الكامل لها على مستوى التشريعات، والتدريب، والفرص العادلة.

إن وجود المرأة في مجلس الشيوخ المنتظر هو تأكيد على أن مصر تمضي نحو بناء برلمان يعكس حقيقة المجتمع بكل فئاته، ويضمن مشاركة فاعلة لجميع أبنائه، رجالًا ونساءً، في صنع القرار الوطني.