عمار علي حسن: الغش في الامتحانات لم يكن وليد اليوم، بل أصبح دابرًا بعد أن كان حالة نادرة.

أثار مقطع فيديو انتشر مؤخرًا لأمهات يعتدين على معلمة رفضت السماح لأبنائهن بالغش في إحدى لجان الامتحانات، ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات حول ما آل إليه حال التعليم والانضباط الأخلاقي في المدارس.
وفي تعليقه على الواقعة، كتب الدكتور عمار علي حسن، الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، منشورًا عبر حسابه الرسمي بموقع “فيسبوك”، قال فيه إن الغش في الامتحانات “ليس ظاهرة جديدة”، وإنما يعود إلى عقود طويلة، لكنه أشار إلى أن هناك “أربعة تغيرات جوهرية” طرأت على الظاهرة، جعلتها اليوم أكثر استفحالًا.
اقرأ أيضًا: عمار علي حسن لـ”الوزارات كاملة”: الشعب ليس كتيبة جنود تسمع ولا ترد
وأوضح أن أول هذه التغيرات هو “أن الغشاشين صاروا يتصرفون كما لو كان الغش حقًا مكتسبًا لهم، وليس مخالفة قانونية تستحق العار”، مضيفًا أن ثاني هذه التحولات تمثل في اتساع نطاق الغش ليصبح هو القاعدة، فيما أصبح الطلاب يفكرون فيه قبل التفكير في المذاكرة، بينما يعود السبب الثالث إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي فضحت ما كان يُرتكب في الخفاء، أما التغير الرابع والأخير – بحسب قوله – فيكمن في “تقدم وسائل الغش وسهولة تنفيذها بفضل ثورة الاتصالات”.
واستعاد عمار علي حسن بعض المواقف التي شهدها بنفسه أثناء دراسته في سبعينيات القرن الماضي، مشيرًا إلى أن الغش كان موجودًا آنذاك، لكنه كان يُقابل بالرفض الأخلاقي والاستهجان.
وقال: “أتذكر أننا كنا في الصف الأول الثانوي، وكان مدرس اللغة الإنجليزية، الأستاذ رضا، يوجه الحديث لزميل لنا لا يجيد حتى قراءة أبسط الكلمات الإنجليزية مثل He و She، قائلًا: “أهلكم ينتظرون أمام اللجان بالشوم والمطاوي، ويضطر المدرسون إلى ترك اللجان، فتنجحون أنتم، ونُبتلى نحن بكم”.
كما أشار إلى واقعة أخرى خلال امتحان الثانوية العامة، حين استقل أحد الشباب دراجة وراح يدور حول مبنى المدرسة ممليًا على الطلاب إجابات أسئلة “الاختيار من متعدد” في مادة اللغة الإنجليزية.
اقرأ أيضًا: محمود سعد يشيد بـ”ملحمة المطاريد” لعمار علي حسن: “قرأتها باستمتاع شديد.. وتصلح لعمل درامي كبير”
وأوضح إنه حاول آنذاك تحذير زملائه من أن بعض الإجابات التي يمليها الشاب خاطئة، “لكن كاد هذا أن يكلفني الطرد من اللجنة”، قبل أن يتدخل أحد المدرسين ويتهمه بالتحدث دون إذن، إلا أن الشرطة حضرت وأمسكت بالشاب لاحقًا.
وأكد الكاتب أنه لم يكن في حاجة إلى الغش، وكذلك معظم زملائه، مشيرًا إلى أن الغش آنذاك كان استثناءً يُنظر إليه باشمئزاز، على عكس ما يحدث اليوم، حيث أصبح الغش قاعدة مقبولة يُقبل الناس عليها كما يُقبل الجوعى على طعامهم الحلال.
واختتم عمار علي حسن منشوره بالإشارة إلى ما وصفه بـالمصيبة الأعظم، قائلًا إن انتشار أخبار عن لجان خاصة، وتبديل أوراق إجابة لمتفوقين لصالح أبناء موسرين أو أصحاب نفوذ، يكرّس شعورًا عامًا بالظلم، ويعزز من ظاهرة الغش بوصفها السبيل الوحيد للنجاة، في نظر الكثيرين.