قوائم غير متنافسة واستقالات جماعية.. انتخابات الشيوخ تبرز وضعًا سياسيًا ضعيفًا

قوائم غير متنافسة واستقالات جماعية.. انتخابات الشيوخ تبرز وضعًا سياسيًا ضعيفًا

رغم أن عدد الأحزاب السياسية المسجلة في مصر يتجاوز 104 أحزاب، إلا أن التعددية الحزبية تبدو شكلية أكثر منها واقعية، إذ لم تظهر في القائمة الوطنية لانتخابات مجلس الشيوخ سوى 12 حزبًا وكيانًا سياسيًا فقط.

هذا التمثيل المحدود يعكس حالة من الجمود والانغلاق داخل الحياة الحزبية، حيث تغيب المنافسة الجادة، وتغيب معها البرامج والرؤى المتمايزة، لصالح تحالفات مغلقة تدور في فلك السلطة.

وبالتوازي مع إعلان الأحزاب أسماء مرشحيها على قوائم التحالف، تصاعدت موجة الاستقالات من داخل الكيانات الحزبية، في مشهد أثار علامات استفهام عديدة بشأن مدى جدية العملية السياسية.

هذه الاستقالات، التي جاءت بعد ما وصفه البعض بـ”وعود زائفة” بترشيحات لم تتحقق، تفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: هل هناك فعلًا حياة سياسية فاعلة داخل الأحزاب؟ أم أن هناك تلاعبًا داخليًا وهيمنة لمجموعات مغلقة تحتكر القرار؟ وما مستقبل العمل الحزبي في ظل هذا التآكل المتزايد للثقة داخل الصفوف الحزبية نفسها؟

هيثم الحريري لـ«الحرية»: ما يجري ليس انتخابات حقيقية بل توزيع للمقاعد بين السلطة وأحزابها

انتقد النائب السابق هيثم الحريري المشهد السياسي الحالي مع اقتراب انتخابات مجلس الشيوخ، معتبرًا أن ما يجري لا يرقى إلى أن يكون منافسة انتخابية حقيقية، بل هو “حفلة توزيع مقاعد” تُدار تحت مسمى “القائمة الوطنية”، وتفتقر إلى أسس التعددية والاختيار الديمقراطي.

وقال الحريري في تصريحات خاصة لـ«الحرية»: “نحن منذ تعديل الدستور في 2019 رأينا أن مجلس الشيوخ ليس إضافة حقيقية للحياة السياسية، بل يمثل عبئًا على الدولة، لا يؤدي دورًا تشريعيًا أو رقابيًا فعّالًا”.

وأشار إلى أن هناك تكاليف باهظة تنفق على مجلس الشيوخ بينما هناك قطاعات كالتعليم والصحة تعاني من نقص الموارد، ما يثير تساؤلات حول الأولويات، مؤكدًا أن مجلس الشيوخ بمثابة إهدار للمال العام.

انتقادات لضعف الحياة الحزبية وغياب التعددية

أوضح الحريري أن “الأحزاب الموجودة اليوم تُستخدم فقط لتجميل المشهد، دون أن يكون لها حضور فعلي في الشارع”، معتبرًا أن “أي محاولة حزبية جادة للتواجد يتم عرقلتها من قبل السلطة”.

وأضاف: “في المقابل، هناك معارضون حقيقيون خلف القضبان، لا بسبب جرائم جنائية، بل لأنهم عبّروا عن رأيهم”.

لا منافسة في ظل قائمة واحدة

واعتبر الحريري أن ما يُسمى بـ”القائمة الوطنية” لا يعبّر عن مفهوم الانتخابات في جوهرها، مؤكدًا أن الانتخابات الحقيقية تقوم على تنافس البرامج والتوجهات السياسية المختلفة، أما حين يُفرض على المواطن أن يختار بين مرشحين محسوبين على السلطة، فهذه ليست انتخابات.

ورفض الحريري ما يُقال عن عدم قدرة المعارضة على تشكيل قائمة أخرى، موضحًا أن “نظام القوائم المطلقة نفسه هو عائق بنيوي أمام أي تكتل معارض”.

ونوه إلى أن القائمة المطلقة تقتل التمثيل العادل، فهي تهدر أصوات كل من لا ينتمي للقائمة الفائزة، حتى لو حصل على نسبة معتبرة من الأصوات.

دعوة إلى نظام انتخابي نسبي

دعا الحريري إلى اعتماد نظام القوائم النسبية، الذي يسمح بتمثيل نسبي يعكس التوازنات الحقيقية في الشارع، وقال: “في النظام النسبي، يمكن لحزب يحصل على 10% من الأصوات أن يُمثَّل بعضو أو اثنين، لكن في النظام الحالي، حتى لو حصلنا على 30%، فلا صوت لنا”.

وأضاف، لا يمكن بناء دولة ديمقراطية بتهميش المعارضة ومنعها من الترشح الحر والمستقل. إذا أردنا مجالس تمثيلية حقيقية، فعلينا أن نضع قواعد انتخابية تتيح التنافس الحقيقي وليس الموالاة المُغلَّفة.

الحريري لأحزاب المعارضة: لا تشاركوا في «قوائم السلطة» لتجميل مشهد زائف

وجّه االحريري رسالة حادة إلى أحزاب المعارضة المصرية، محذرًا إياها من الانخراط في ما أسماه بـ”القوائم الشكلية المرتبطة بالسلطة”، مؤكدًا أن المشاركة ضمن تلك القوائم تمثل إساءة للمعارضة وتخليًا عن دورها الحقيقي في تمثيل المواطنين والدفاع عن مصالحهم.

وقال الحريري: “الانخراط في قوائم السلطة هو تنفيذ لما تريده الدولة، التي تحاول أن تُظهر للمواطن أن لدينا برلمانًا يضم 15 حزبًا، بينما هذه الأحزاب لا وجود لها على الأرض”.

وتساءل: “أين هي مقراتهم؟ أين هو تواجدهم في الشارع؟ هل يمارسون نشاطهم بحرية؟ هل يستطيعون تنظيم ندوات حقيقية وفتح حوارات مباشرة مع الناس؟”.

انتقاد للازدواجية ومظاهر «التجميل السياسي»

أوضح الحريري أن السماح لأحزاب المعارضة بالظهور خلال الانتخابات، ثم منعها من العمل السياسي بين الدورات الانتخابية، يكشف حجم التناقض في المشهد السياسي، معتبرًا أن “إقحام أسماء معارضة في قوائم السلطة لا يعني أننا أمام تمثيل حقيقي، بل هو مجرد تجميل لواجهة السلطة”.

أقرأ أيضًا: هيثم الحريري معلقا على مشروع قانون الإجراءات الجنائية: «يجب أن تشرع القوانين بالمشاركة وليس المغالبة»

وتابع: “نأخذ ثلاثة أو أربعة أو حتى عشرة من أحزاب المعارضة ونضعهم في القائمة الوطنية، ثم نقول إن لدينا تمثيلًا حزبيًا. لكن في الحقيقة، لا دور لهم، ولا تأثير، ولا قواعد شعبية، لأنهم ممنوعون أصلًا من العمل السياسي الفعّال”.

دعوة لحياة حزبية حقيقية ومواجهة المال السياسي

شدد الحريري على أن أي إصلاح سياسي لا بد أن يبدأ من احترام التعددية، وإتاحة الفرصة أمام الأحزاب لممارسة دورها بحرية، مضيفًا: “إذا كنا نريد نظامًا برلمانيًا حقيقيًا، فلا بد أن تكون هناك رقابة فعلية وتعدد سياسي، وليس مجرد برلمان يعبّر عن مصالح فئة واحدة أو جماعات مقربة من السلطة”.

كما حذر من خطورة المال السياسي، قائلاً: “ما رأيناه في الانتخابات السابقة، وما نراه الآن، يؤكد أن المال السياسي يضغط على إرادة الناخبين، خاصة في ظل الفقر والجوع، حيث يُستخدم المال لشراء الأصوات تحت ستار المساعدات أو الخدمات”.

وختم بقوله: “الناس يجب أن تختار بإرادتها الحرة، لا أن تُدفع إلى صناديق الاقتراع بتأثير المال والاحتياج، وإلا فلن نكون أمام انتخابات بل مجرد عرض شكلي لإنتاج برلمان صوري”.