في ذكرى ثورة 30 يونيو: الاقتصاد المصري يواجه تحديات الواقع وآفاق التحول المستقبلية

في ذكرى ثورة 30 يونيو: الاقتصاد المصري يواجه تحديات الواقع وآفاق التحول المستقبلية

تأتي ذكرى ثورة 30 يونيو هذا العام وسط مشهد اقتصادي متشابك، حيث تواصل الدولة المصرية تنفيذ مشروعات تنموية واسعة النطاق في مختلف القطاعات، في وقت لا تزال فيه آثار الأزمات العالمية تلقي بظلالها على الأداء الاقتصادي المحلي.

ومنذ عام 2013، شهدت مصر تحولات اقتصادية عميقة، ارتكزت على خطط إصلاح هيكلي ومشروعات قومية ضخمة، إلى جانب خطوات لتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز البنية التحتية.

إصلاحات هيكلية ومشروعات كبرى

من أبرز محطات التحول كان برنامج الإصلاح الاقتصادي (2016–2019)، الذي شمل تحرير سعر الصرف، وترشيد دعم الطاقة، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، وأسهم البرنامج في السيطرة على عجز الموازنة العامة، وتحقيق فائض أولي لعدة سنوات متتالية، إلى جانب استقرار نسبي في مؤشرات الاقتصاد الكلي.

كما اتجهت الدولة نحو تنفيذ مشروعات قومية واسعة، شملت إنشاء شبكة طرق حديثة، ومدن جديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، وتطوير الموانئ والمطارات، إلى جانب مشروعات لتوفير الخدمات في الريف ضمن مبادرة “حياة كريمة”.

نمو متدرج واستثمارات متنوعة

رغم التحديات، سجل الاقتصاد المصري معدلات نمو تجاوزت 5.5% قبل جائحة كورونا، وسعت الحكومة إلى تعزيز الاستثمار من خلال تعديلات تشريعية مثل قانون الاستثمار الموحد، وتقديم حوافز جديدة للمستثمرين، أبرزها “الرخصة الذهبية”، كما تم إنشاء مناطق اقتصادية خاصة، أبرزها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بهدف جذب الاستثمارات الصناعية والخدمية.

قطاع الطاقة.. اكتفاء وتصدير

حقق قطاع الطاقة تطورات لافتة، أبرزها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي عام 2018، مدفوعًا بالاكتشافات الكبرى مثل حقل “ظهر”، وتمكنت مصر من تصدير الفائض وتوقيع اتفاقيات للربط الكهربائي، في إطار استراتيجية للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

دعم التصدير وتقليل الاعتماد على الخارج

في محاولة لتقليص عجز الميزان التجاري، أطلقت الدولة استراتيجية تستهدف رفع قيمة الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويًا، إلى جانب إنشاء مجمعات صناعية وزيادة الاعتماد على المنتج المحلي، كما تم دعم المصدرين ببرامج رد الأعباء التصديرية وتسوية المستحقات المتأخرة.

إصلاحات مالية ومصرفية

على مستوى الإدارة المالية، سعت الحكومة إلى خفض الدين العام وتقليل كلفته من خلال تنويع أدوات الدين وإطالة آجال السداد، كما تم التوسع في التحول الرقمي بالقطاع المالي، عبر ميكنة الضرائب والجمارك، وتعزيز الشمول المالي والدفع الإلكتروني، وطرح البنك المركزي عدة مبادرات تمويلية بأسعار فائدة مدعومة لدعم قطاعات الإنتاج والمشروعات الصغيرة.

مواجهة الأزمات العالمية

تعامل الاقتصاد المصري مع تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وموجات التضخم العالمية من خلال سياسات احترازية، تضمنت حزم حماية اجتماعية وتوسيع برامج الدعم النقدي، إلى جانب تنويع سلاسل الإمداد وزيادة الاحتياطي النقدي، كما ركزت الدولة على تحقيق أمن غذائي نسبي عبر مشروعات مثل “الدلتا الجديدة” واستصلاح الأراضي.

التحديات مستمرة.. والمكاسب قيد التثبيت

ورغم الإنجازات، يواجه الاقتصاد المصري تحديات مستمرة، من بينها ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، وزيادة أعباء الديون الخارجية، وهو ما يتطلب استمرار العمل على تعميق الإنتاج المحلي، وتوسيع قاعدة التصدير، واحتواء الضغوط المعيشية على المواطنين.

ومع حلول ذكرى ثورة 30 يونيو، تتواصل الجهود الحكومية للحفاظ على استقرار الاقتصاد، في ظل رؤية استراتيجية توازن بين متطلبات الحاضر وطموحات المستقبل، وسط بيئة دولية معقدة تتطلب مرونة في السياسات واستدامة في الإصلاحات.