عز الدين الهواري يكتب: ‘موت 15 فتاة على طريق حرم الفقراء’… والتمويل يُصرف على طرق الأغنياء فقط

عز الدين الهواري يكتب: ‘موت 15 فتاة على طريق حرم الفقراء’… والتمويل يُصرف على طرق الأغنياء فقط

في مصر، لا تقتلنا فقط الشاحنات والحفر… بل تقتلنا الأولويات.

في وطنٍ يئن من الديون، يُقال لشعبه: اصبر، شدّ الحزام، اصنع المعجزة… ثم تُصرَف القروض والمليارات لبناء طرق ليست له، لقطارات لا يركبها، ولمدنٍ لا تطأها قدمه. مونوريل، وقطار سريع، وطريق بـ8 حارات… كلها من أجل “الساحل” و”المنتجعات” و”الڤلل”.

أما الشعب؟ فله “الطريق الدائري الأوسطى” بلا إنارة، و”طريق الموت” في الريف، وحفرة كبيرة تنتظره كل صباح.
الفقراء لا يسيرون في الطرق، بل يُدفنون فيها.

15 فتاة من بنات مصر… من بنات القرى والمصانع، من بنات الشقاء الحقيقي… لم يكُنّ في طريق سهرة ولا حفلة، لم يحملن دعوات لمهرجان أو افتتاح منتجع. كنّ يحملن فقط تعب النهار، ولقمة العيش، وهمّ الأهل على أكتافهن.

فاستقبلهن الطريق المهمل، كما اعتاد: بلا إنارة، بلا مرور، بلا رحمة.
ماتت البنات… لا لأن القدر غلب، بل لأن الخريطة قالت إن هذا الطريق لا يهم، وإن هؤلاء البنات “ليس لهن أولوية”.

نُقابل كل يوم بإنجاز جديد: افتتاح طريق جديد، كباري جديدة، محور بـ6 حارات، وتجميل لمداخل القرى السياحية، وربط الساحل بالعاصمة الإدارية.
لكن هل ربط أحد هذا الوطن بقراه؟ هل سأل مسؤول: كيف تسير البنات إلى عملهن في الصباح؟ كيف يعود العمال؟ كيف تنتقل الأمهات؟
هل سأل أحد: لماذا نموت؟ ولماذا يُبنى كل شيء بعيدًا عنا؟

إنهم يبنون فوق دمائنا، حرفيًّا.
الطرقات التي تُعبّد، والمشاريع التي تُقام، والمدن التي تُرفع… ليست لنا.
ليست لأبناء العامل، ولا بنت المزارع، ولا تلميذة المدرسة الحكومية.

القطار السريع بـ230 مليار، والمونوريل بـ100 مليار، ومحور الضبعة بـ8 حارات من أجل الساحل،
بينما “الطريق الزراعي” يموت فيه الناس كل يوم،
وطريق “الواحات” و”أسيوط” و”الصعيد” و”الفيوم” كأنها طرق مهجورة من عصور ما قبل التاريخ.

فلتعلموا أن بنات مصر لا يحتجن إلى قطار يطير، بل إلى طريق لا يقتل.
لا يحتجن إلى مونوريل، بل إلى إشارات مرور، ومستشفى قريب، وأتوبيس محترم.

لكن للأسف، هناك وزير لا نسمع منه غير الصوت العالي وعدم الاكتراث لأي آراء أو نقد، كأنه لا يُسأل ولا يُحاسب، لا يسمع إلا صدى نفسه.
يتحدثون عن الإنجازات والأرباح والغرامات، ولا يرون ما يُدفع في الجنازات.
يجمعون الإتاوات عند البوابات، والغرامات على شنط الفقراء بالقطارات،
لكنهم لا يمرّون من طرق الفقراء، ولا يرون عذابهم في الذهاب والإياب، إلا في نشرات الأخبار: حوادث موت على الطرقات، أو أجساد محترقة داخل عربات القطارات.

ماتت البنات، ودماؤهن الآن على الإسفلت…
لكن فوق هذا الدم، يُبنى طريق جديد إلى الساحل،
لمن يملكون البحر، ولا يعرفون العرق ولا الجوع.

فلتُسمَّ الطرق بأسمائهن، فلتُوضَع لافتات: “هنا ماتت شهيدة العيش”،
لكن لا تنسوا: القاتل ليس شاحنة، بل خطة.
جريمة لها أوراق، وموافقات، وتمويل…
وقرضٌ جديد، سيدفعه نفس الشعب الذي فقد بناته.

وهنا نسأل: هل توقف مزاد التعويضات؟ هل باتت أرواح بنات مصر تُساوَم بين 100 ألف و500 ألف؟
هل سترجع البنات لو رفعنا لهن قيمة التعويضات؟
هل يعرف من يقررون هذه الأرقام معنى أن تفقد ابنتك؟
هل يعرفون نار الحرمان من فلذة الكبد؟
هل أصبحنا مجرد أرقام تُقتل… وأرقام تُعوّض؟
هل هذه هي العدالة التي ننتظرها؟ أم أن دم الغلابة ما زال أرخص من الأسفلت؟