عز الدين الهواري يكتب: إسرائيل تتصرف بحرية في عصر الانهيار العربي

في مشهد مكرر منذ أكثر من سبعة عقود، تواصل إسرائيل ممارسة العربدة العسكرية والسياسية بلا قيد أو حساب. تضرب في لبنان حين تشاء، وفي سوريا حين ترغب، وفي اليمن والعراق من دون مقدمات أو إنذارات. تمارس القتل الجماعي في فلسطين جهاراً نهاراً، حتى على طوابير الجوعى الباحثين عن رغيف الخبز، وتخرج قيادات جيشها علنًا للاعتراف بأن تلك كانت “مصيدة طعام” مدبرة، لا أخطاء فردية، بل جرائم مقصودة وممنهجة.
هذا الكيان الذي لا يزيد عدد سكانه عن سبعة ملايين، يتحكم بمصير أكثر من 450 مليون عربي، ويزرع الفساد والجهل وانعدام الحقوق في محيطه الإقليمي، لا لشيء سوى أن يضمن لنفسه التفوق المطلق والهيمنة الكاملة على شعوب تحاصرها الخيانة من الداخل والعدوان من الخارج. لقد أصبحت حدود إسرائيل العسكرية لا تتوقف عند حدودها الجغرافية، بل تمتد في عمق آلاف الكيلومترات؛ تقصف حيث تشاء، وتغتال من تشاء، وتستعرض عضلاتها على جثث الأبرياء.
إسرائيل لا تريد لأحد من الشعوب العربية أو الإسلامية أن ينهض. لا تعليم، لا علوم، لا استقلال، لا سلاح، ولا حتى حق في الحياة. تريد شعوبًا خاضعة، منهكة، يائسة، يحكمها الطغاة الذين ينفذون أوامرها، ويخافون من عتابها أكثر مما يخافون الله أو شعوبهم. إن الكيان الصهيوني لا يطيق أن يرى طالب علم في سوريا، أو باحثًا نوويًا في العراق، أو طبيبًا نابغًا في غزة، أو مقاومًا في لبنان. إنه كيان لا يعيش إلا فوق أنقاض الآخرين.
لقد تحول الدم العربي إلى ماء، وصارت حياة الفلسطيني أرخص من رصاصة، وصار الجوع فخًا، والمساعدات مصائد. يسقط الناس في المذابح، بينما العالم يتفرج، والحكام العرب يهرولون لتوقيع اتفاقيات “السلام”، وبناء ممرات التجارة، وحماية “أمن إسرائيل”.
كيف وصلنا إلى هنا؟
كيف نُقتل كل يوم، وتُغتصب أرضنا، ويُحاصر أطفالنا، وتُهدم مساجدنا، وتُغتال أحلامنا، ثم يُطلب منا أن نُطبّع وننسى؟
أي دين يحمله هؤلاء الحكام الذين يبررون الصمت؟ أي أخلاق؟ أي كرامة؟!
نعرف هذا الكيان منذ 1400 عام. قال تعالى عنهم:
كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين” – [المائدة: 64]
قتلوا الأنبياء، خانوا العهود، وعادوا الله والإنسانية. وبرغم هذا، نجد فينا من يركع لهم، ويسعى إلى إرضائهم، ويضحي بشعبه من أجل أمنهم.
لقد آن لنا أن نكسر هذا القيد.
أن نعيد تعريف العدو والصديق.
أن نواجه الحقيقة: العدو لا يحترم الضعيف، ولا يخاف إلا من قوة قادرة على الردع.