مظهر شاهين المعروف بـ«خطيب الثورة» يتحدث لـ«الحرية»: 30 يونيو أنقذت مصر من الضياع.. ودافعت عن الوطن من منبر الثورة قبل أن يُختطف.

30 يونيو لم تكن مفاجأة.. بل انفجارًا وطنيًا من رحم الألم
الشعب ثار لأن التنظيم أراد أن يحكم بمنطق الغنيمة لا الوطن
المصريون رأوا أن هناك مشروعًا يُراد فرضه بالقوة لا يعترف بحدود الدولة ولا بتنوع شعبها
قلتها من على المنبر: هذه ليست رئاسة.. بل تفويض فوق الدولة
صعدت المنبر متحديًا وقلت الوطن أولى من التعليمات حين أوقفوني عن الخطابة
30 يونيو لم تُسقط رئيسًا.. بل أسقطت فكرة الوصاية على الشعب والاحتكار باسم الدين
السيسي لم يتحرك طمعًا في سلطة.. بل حفاظًا على الدولة من الانهيار
الإمام الطيب والبابا تواضروس جسّدا أن الدينين في خدمة الوطن لا في خدمة الجماعة
لو لم تحدث 30 يونيو لتحولت سيناء إلى إمارة متطرفة وسقط الأزهر وأصبحت الكنائس مستهدفة
الثورة لا تُنسب لفصيل.. بل لشعب قرر أن ينقذ وطنه بيده
بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لـ30 يونيو، يفتح الشيخ الدكتور مظهر شاهين، الإمام والخطيب المعروف، قلبه وذاكرته لـ«الحرية» ليتحدث عن واحدة من أكثر اللحظات الفارقة في تاريخ مصر الحديث وهي 30 يونيو.
شاهين يسترجع خلال الحوار اللحظات التي سبقت الثورة، ويحلل أسباب الانفجار الشعبي، ويروي شهادته كأحد أبرز الوجوه المشاركة بها، ويكشف عن كواليس وقائع ميدانية، ومواقف تاريخية، وقرارات جريئة اتخذها، منها تحدي قرار إيقافه عن الخطابة، ومشاركته في المسيرات، وصعوده إلى منصة التحرير.
كما يتوقف عند أدوار مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القوات المسلحة، والأزهر، والكنيسة، ويؤكد أن 30 يونيو لم تكن مجرد انتفاضة، بل كانت لحظة خلاص من مشروع ظلامي كان سيغرق مصر في الفوضى والانقسام.
وإلى نص الحوار:
بصفتكم من أوائل الأصوات التي دعت إلى 30 يونيو.. ما الأسباب الجوهرية التي فجرتها؟
ثورة 30 يونيو لم تكن اندلاعًا مفاجئًا، بل كانت نتيجة تراكمات مؤلمة استشعرها المصريون في وجدانهم، ورفضوها بعقلهم وضميرهم، فالشعب الذي حلم بالحرية والعدالة الاجتماعية بعد ثورة 25 يناير، فوجئ بجماعة دينية تتعامل مع الدولة بمنطق التنظيم، لا بمنطق الوطن.
والناس صُدموا حين رأوا مؤسسات الدولة تُخترق واحدة تلو الأخرى، وحين طُوع الخطاب الديني لخدمة سياسة الإقصاء، وحين استُخدم الدين لتبرير الفشل والهيمنة، وازدادت الصدمة عندما ظهرت علاقات مشبوهة تربط الجماعة بفصائل متطرفة، وسادت حالة من التسيُّب الأمني، خاصة في سيناء.
وكان المصريون يرون أن هناك مشروعًا يُراد فرضه بالقوة، لا يعترف بحدود الدولة ولا بتنوع شعبها، بل يسعى لتبديل هويتها التاريخية، ونقل الولاء من الوطن إلى التنظيم.
وكل هذا دفع المصريين دفعًا إلى الثورة من جديد، دفاعًا عن وطنهم، لا طمعًا في سلطة ولا تحركًا من فراغ.
كيف مهدت الأحداث السابقة إلى 30 يونيو؟
الأحداث التي سبقت الثورة كانت كاشفة ومفزعة، وتوالت على نحو جعل من الانفجار الشعبي أمرًا حتميًا.
ففي 21 نوفمبر 2012، أصدر الرئيس المعزول إعلانًا دستوريًا يمنح نفسه سلطات غير مسبوقة، ويحصن قراراته ضد أي طعن قضائي، ما اعتبره المصريون انقلابًا على القانون والدستور.
ثم رأينا الجماعة تحاصر المحكمة الدستورية العليا في ديسمبر 2012 لمنع قضاتها من إصدار أحكام لا ترضيهم، وتحاصر مدينة الإنتاج الإعلامي وتعتدي على الإعلاميين، وتهاجم الأزهر الشريف لفظيًا، وتحاول السيطرة على الكاتدرائية.
تسارعت خطوات التمكين داخل مفاصل الدولة، فبات واضحًا أن مشروعًا إقصائيًا يُراد له أن يُفرض بالقوة لا بالتوافق،،وأصبح السكوت خيانة.
والشعب كله شعر أن البلاد تُختطف، وأن ما يجري لا يمثل دينًا ولا ثورة، بل يمثل جماعة مغلقة ترى في الوطن “غنيمة” وفي الخصم عدوًا حتى لو كان مصريًا.
ما موقفكم الشخصي في تلك المرحلة، وكيف عبّرتم عنه؟
من جهتي، فقد كنت إمامًا وخطيبًا لمسجد عمر مكرم، ولم أسكت يومًا، وواجهت هذا الانحراف منذ لحظاته الأولى، وانتقدت إعلانهم الدستوري علنًا، وقلت في أحد الخُطب: «هذه ليست رئاسة، بل تفويض فوق الدولة، ومن يسكت عنه شريك في هدم الوطن».
كما قلت على المنبر: «لو أتى محمد بدينكم، ما دخل فيه رجل واحد»، لأنني رأيت أن ما يُمارس باسم الدين هو استغلال مفضوح، لا علاقة له برسالة السماء.
وصدر قرار بإيقافي عن الخطابة في 9 أبريل 2013، بضغط من مكتب الإرشاد، ونفذته وزارة الأوقاف، لكنني تحدّيت القرار، وصعدت المنبر يوم الجمعة 12 أبريل، وخطبت أمام الآلاف، ثم خرجنا في مسيرة إلى كنيسة قصر الدوبارة، هاتفين: «مسلم ومسيحي إيد واحدة.. يسقط يسقط حكم المرشد».
وكان إخوتنا الأقباط في استقبالنا، بالترحاب والدموع، في لحظة وحدة وطنية نادرة.
ما أهمية 30 يونيو من وجهة نظرك كداعية وفاعل وطني؟
أهمية الثورة أنها أعادت التوازن إلى مصر، وأجهضت مشروع اختطاف الدولة باسم الدين، فكان التنظيم يريد أن يصادر هوية الوطن ويقصي الجميع، لكن الشعب قال كلمته.
30 يونيو لم تُسقط نظامًا فحسب، بل أسقطت فكرة «الوصاية» على الشعب، و«الاحتكار» باسم الدين، و«الاختراق» لمؤسسات الدولة، وأعادت للشعب ثقته بذاته، وللوطن ملامحه، وللدين مكانته في القلوب لا في الدساتير المفروضة.
بصفتك خطيب الثورة.. ما أبرز المشاهد التي لا تُنسى؟
من أعظم اللحظات التي اختزنتها ذاكرتي، حين اعتليت منصة ميدان التحرير في يوم 30 يونيو، فلم تكن مجرد لحظة خطاب، بل كانت لحظة تجلّت فيها روح الأمة بكل ما تحمله من وجع وأمل.
قلت في كلمتي: «إن الوطن في خطر، والدين بريء من المتاجرة به، وفرق كبير بين من قبلتهم البيت الحرام، ومن قبلتهم البيت الأبيض؛ بين من يسجدون على تراب الوطن، ومن لا يسجدون إلا على دماء أبنائه،،استمروا في ثورتكم، لا لتُسقطوا شخصًا، بل لتستعيدوا وطنًا».
كان الميدان يموج بالهتاف قبل أن تبدأ الخطبة، وكان الصمت العميق أثناءها أقوى من أي صوت، نظرتُ في وجوه الناس، فرأيت الإيمان والثبات، كانت الدموع تنساب في صمت، والنساء يرفعن أعلام مصر كأنهن يحملنها على أكتاف القلوب.
ذلك اليوم لم يكن عاديًا… بل كان اليوم الذي نطق فيه الميدان بلسان المنبر: «انتصرنا.. انتصرنا.. انتصرنا».
ومن المشاهد أيضا مشهد ميدان التحرير يوم 3 يوليو 2013 عقب إلقاء المشير عبد الفتاح السيسي بيان 3 يوليو والذي سجدت بعده شكرا لله أن خلص مصر من هذا الكابوس.
كيف تقيم دور الشرطة والجيش في حماية الثورة؟
قامت الشرطة والجيش بدور وطني بالغ الأهمية في ثورة 30 يونيو، فأجهزة الشرطة أدّت واجبها في تأمين المتظاهرين، وحفظ الأمن في الشوارع والميادين، دون صدام أو عنف، بل بروح منضبطة ومنحازة لاستقرار الوطن.
فهي لم تنحز الشرطة لفصيل أو طرف، بل التزمت جانب الشعب، وحرصت على حماية الأرواح والممتلكات، في مشهد عكس عودة الثقة بين الشعب والشرطة.
أما القوات المسلحة، فكانت على عهدها دائمًا، درعًا للوطن وسندًا للشعب، لم تتدخل إلا بعد أن عبّر الشعب عن إرادته بصورة لا لبس فيها، وبعد أن فُتحت كل أبواب الحوار والفرص لتجنب الأزمة، وبتحركها المسؤول، حافظت على مؤسسات الدولة، ومنعت الفوضى والانقسام، وأكدت أنها في خدمة الوطن لا في خدمة حكم أو جماعة.
ولقد قدّم الجيش والشرطة نموذجًا في الانضباط الوطني، ووقفوا مع الشعب يدًا بيد من أجل الحفاظ على الدولة المصرية، وتثبيت أركانها في لحظة كانت على وشك الانهيار
كيف كان دور الفريق أول عبد الفتاح السيسي تحديدًا؟
الفريق أول عبد الفتاح السيسي كان رجلًا من طراز نادر، لم يسعَ إلى سلطة، بل تحمّل المسؤولية الوطنية في لحظة مفصلية، وكان يتحرك بين الجميع، ويحاور، ويُطلق المبادرات، ويؤكد أن القوات المسلحة لن تكون أداة قمع، بل صمام أمان للوطن.
وحين استُنفدت كل الوسائل، لم يتردد في الانحياز إلى الشعب، ووقف في 3 يوليو يعلن خارطة الطريق، محاطًا بالإمام الأكبر والبابا وقادة المجتمع، ليقول: مصر لا تُحكم بتنظيم، بل تُبنى بوحدة أبنائها.
وقد أثبتت الأيام أن هذا القرار أنقذ الدولة، وأعاد بناء الثقة بين الشعب ومؤسساته، وفتح الطريق إلى الاستقرار.
وماذا عن موقف الأزهر والكنيسة؟
كان موقف الأزهر الشريف والكنيسة القبطية موقفًا وطنيًا عظيمًا، وقف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس الثاني، في لحظة صدق وضمير، بجوار الجيش والشعب.
الإمام الطيب أكد أن الأزهر لا يمكن أن يقف صامتًا أمام ما يهدد الوطن، والبابا قال بوضوح إن خارطة الطريق تمثل بداية جديدة لوطن للجميع.
في مشهد 3 يوليو، حين جلس الإمام والبابا إلى جانبي السيسي، لم تكن صورة بروتوكولية، بل كانت إعلانًا بأن الدينَين في خدمة الوطن، لا في خدمة جماعة.
كيف كانت ردة فعل الإخوان؟
فاجأتهم الثورة، لأنهم اعتقدوا أن التنظيم أقوى من الشعب، وأن الدعم الخارجي سيحميهم، فانتقلوا إلى خطاب التخوين، ثم لجأوا إلى التصعيد، وفتحوا منصات العنف.
واعتصام رابعة لم يكن سلميًا كما يدّعون، بل كان محرضًا، مُسلحًا، يهدد بإسقاط الدولة، ويدعو إلى القتال، ولقد خسروا تعاطف الناس حين حوّلوا الدين إلى وسيلة تهديد.
كيف تنظر الجماعة اليوم إلى 30 يونيو؟
لا تزال تنكرها، لأنها تُدينهم وتُسقط مشروعهم، ويحاولون تشويهها بالكذب والتضليل، لكن الواقع لا يُكذب، والتاريخ لا يُزوَّر إلى الأبد، والثورة محفوظة في قلوب المصريين، لأنها كانت صوتهم الصادق في لحظة خطر.
وأخيرًا.. لو لم تحدث 30 يونيو ماذا كان سيحدث لمصر؟
لو لم تخرج الملايين في 30 يونيو، لكانت مصر اليوم في وضع مأساوي، وكنا سنجد دولة بلا مؤسسات، وهوية وطنية تُسحق أمام مشروع ظلامي.
ربما تحوّلت سيناء إلى إمارة متطرفة، وسقط الأزهر بيد جماعات التكفير، وتحولت الكاتدرائية إلى هدف.
كنا سنشهد تقسيمًا داخليًا، وصراعًا طائفيًا، واقتصادًا منهارًا، وعزلة دولية، وتدخلاً أجنبيًا يفرض وصايته على الوطن.
لكن الله سلّم، حين استيقظ الشعب، وهبّ الجيش، وانحاز الأزهر والكنيسة، وتكاتفت مؤسسات الدولة.
30 يونيو لم تكن فقط ثورة تصحيح، بل كانت لحظة خلاص.
لقد كانت ثورة شعب بكل فئاته، لا تُنسب لحزب ولا لفصيل، بل إلى إرادة أمة قررت أن تنقذ وطنها من الضياع، وأن تعيد كتابة مصيرها بيدها.
وشارك فيها المصريون من كل الأطياف والانتماءات: رجالًا ونساء، شبابًا وكهولًا، مسلمين ومسيحيين، عمالًا ومهنيين، طلابًا وفنانين، علماء وبسطاء، في مشهد وطني نادر جمع الكل على كلمة سواء «مصر أولًا».
ولولاها، لضاع الوطن، وها هو اليوم، بفضل الله، واقف على قدميه، مستقل الإرادة، موحد الصف، ثابت الهوية.