عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: دروس من إيران والشريكين الصيني والروسي: تحالفات تعتمد على المصالح وليس على المصير المشترك.. متى يتنبه العرب؟

عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: دروس من إيران والشريكين الصيني والروسي: تحالفات تعتمد على المصالح وليس على المصير المشترك.. متى يتنبه العرب؟

في زمن السقوط والتبعية، لا يضيع العرب بين أنياب الغرب فقط، بل أيضًا بين أنياب “الشرق الصاعد”، الذي لا يقلّ شراهةً في الاستغلال، وإنْ تلحّف بشعارات السيادة والتعددية القطبية والموقف العادل. لقد كثُر الحديث في العقد الأخير عن التحوّل نحو بكين وموسكو كبدائل للهيمنة الأمريكية، وكأننا ننتقل من استعمار إلى تحالف. لكن الوقائع لا تترك مجالًا للوهم. فالصين وروسيا، كما الغرب، لا تتحركان إلا وفق مصالح استراتيجية صلبة، لا مبادئ ولا صداقات. من لا يملك القوة، لا يُحترم في هذا العالم. ومن لا يملك السلاح، لا يُستشار في مصيره.

الدرس الإيراني: دعمٌ بعد الدمار

حين ضُربت إيران بعنف، واستُهدفت منشآتها النووية ودفاعاتها الجوية، في عملية أظهرت هشاشة قدراتها الردعية، لم تُحرّك الصين ساكنًا، رغم أنها الشريك الاقتصادي الأول لطهران، وأكبر مشترٍ لنفطها، والمستفيد الأول من العقوبات الغربية المفروضة عليها. الصين لم تقدم لإيران سوى بيان دبلوماسي بارد، يقول إن بكين تدعم “حق إيران في حماية سيادتها”، بعد أن دُمرت تلك السيادة فعليًا.

أما روسيا، الحليف المفترض، فقد اكتفت بالصمت والتفرج، كما فعلت مرارًا مع حلفائها، من سوريا إلى السودان. إنها ليست حليفًا بالمعنى الاستراتيجي، بل شريكًا في المصلحة العابرة.

قارنوا: كيف تحمي أمريكا حلفاءها؟ انظروا إلى أمريكا حين يتعلق الأمر بحلفائها الحقيقيين، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني: توفر له مظلة نووية، ودعمًا سياسيًا غير مشروط، وغطاءً دبلوماسيًا في كل المحافل. تُرسل حاملات الطائرات والغواصات النووية بمجرد تهديده، ولا تسمح بلمسه. تُبرمج ميزانية مساعدات عسكرية سنوية تتجاوز 3.8 مليار دولار.

وانظروا أيضًا كيف تعاملت مع قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، حين تعرضت لهجوم إيراني لم تُطلق واشنطن طلقة واحدة دفاعًا عنها، وتركتها تتلقى الضربات الإيرانية الصاروخية بلا رد. لأن واشنطن لا تحمي إلا من يخدم أمن “إسرائيل”، لا من يستضيف قواعدها فقط.

الشرق ليس أفضل من الغرب

أما إيران، التي طالما تغنّت بـ”الحلف الروسي – الصيني”، فقد وجدت نفسها وحيدة. لا موسكو استخدمت دفاعاتها، ولا بكين أرسلت حتى إدانة واضحة. وكأن الرسالة للعرب والمسلمين: “لا شرق ولا غرب سينقذكم، إن لم تنقذوا أنفسكم.”

العالم العربي.. قوة كامنة بلا قيادة واعية

أكثر من 450 مليون عربي ومسلم، يملكون ثروات هائلة، وموقعًا جغرافيًا فريدًا، وسوقًا اقتصادية ضخمة، ومع ذلك يعيشون بلا أمن قومي حقيقي، ولا قدرة ردع فاعلة، لأنهم ببساطة لا يعتمدون على أنفسهم، بل على من ينهبهم أو يتواطأ عليهم. لقد أصبح العالم العربي مجرد سوبر ماركت مفتوح أمام الجميع: تُنهب ثرواته من الغرب. تستغل مواده الخام من الشرق. ويُبتلع قراره السياسي من الجميع. وأسوأ من هذا كله، أن حكوماته تحرس هذه الحالة، لا تقاومها.

أنظمة وظيفية.. وشعوب تنتظر الفرج

إن الغالبية الساحقة من الأنظمة العربية ليست سوى نظم وظيفية، تؤدي مهام الحفاظ على مصالح الخارج مقابل ضمانات البقاء. كراسي الحُكم في منطقتنا لا تُحمى من الشعب، بل من الخارج. ولهذا لا يمكن أن تبني دولة ذات سيادة، أو قوة ردع، لأنها تعلم يقينًا أن اليوم الذي تمتلك فيه الأمة أسباب قوتها، هو اليوم الذي ستُخلع فيه هذه الأنظمة.

أما الشعوب، فهي تائهة بين الخوف من البديل، واليأس من الإصلاح، وتضليل إعلامي لا يعرف الحقيقة.

الردع لا يُشترى.. والاستقلال لا يُستورد

من لا يصنع سلاحه، لا يملك قراره. ومن لا يمتلك شبكة دفاع حقيقية، ولا استراتيجية صناعية مستقلة، ولا أمنًا غذائيًا وسيبرانيًا وعسكريًا ذاتيًا، فلن يملك إلا وهم السيادة. ما حدث لإيران، وما يحدث للعرب، يُعلّمنا أن العالم لا يحترم إلا القوي. لا أحد يُدافع عنك لأنك مظلوم، بل لأنك قادر. لا حليف دائم إلا المصالح، ولا احترام إلا بالقوة.

استفيقوا قبل أن تنتهوا

لا الشرق حليف حقيقي، ولا الغرب صديق وفي. لا أحد سيقاتل من أجلك، ولا أحد سيحميك إن لم تكن قادرًا على الحماية. كل من يحمي عرشه بتحالف خارجي، يسقط حين يسقط تحالفه. كل من يعول على غير شعبه، سيتخلى عنه الجميع.

فإما أن تبني الأمة مشروعها النهضوي، أو تبقى عالة على من ينهبها.