عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: انتصارات إيران وتراجع الهيبة الأمريكية وكشف الضعف العسكري لإسرائيل

في واحدة من أكثر المواجهات حساسية في تاريخ الصراع بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، تمكنت طهران من فرض معادلة ردع جديدة، ليس فقط في ساحة المواجهة التقليدية، بل في عمق الجغرافيا العسكرية لأعدائها، لتسقط خلالها خرافات السيطرة والتفوق التكنولوجي الإسرائيلي، ويهتز معها كبرياء القوة الأمريكية أمام ضربة غير مسبوقة.
ضرب العمق الإسرائيلي: انتصار تكتيكي إيراني
إيران، عبر سيل من الصواريخ الدقيقة والمسيّرات المتطورة، لم تُوجّه ضرباتها نحو مواقع هامشية، بل استهدفت البنية التحتية الأمنية والعسكرية للكيان الصهيوني، بما في ذلك غرف عمليات، مطارات عسكرية، ومراكز القيادة والسيطرة، في تل أبيب والنقب ومناطق أخرى كانت سابقًا تُعتبر “محرّمة” على أي تهديد خارجي.
السقوط العملي لـ”القبة الحديدية” كشف أن ما كان يُسوّق على أنه “جدار ناري لحماية الدولة العبرية” ما هو إلا مظلة وهمية في مواجهة حرب غير تقليدية يقودها خصم استراتيجي بات يفهم تمامًا نقاط ضعف عدوه.
قاعدة العديد.. ضُرب كبرياء أمريكا
أما الضربة التي وجهتها إيران إلى قاعدة العديد الجوية في قطر – وهي الأكبر أمريكيًا خارج حدود الولايات المتحدة – فتمثل إهانة مباشرة للهيمنة الأمريكية. القاعدة، التي تُعد العقل المركزي للعمليات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط، لم تُضرب في الخفاء، بل في وضح النهار، وأمام أنظار العالم، في لحظة تؤكد أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على حماية حلفائها، ولا حتى قواعدها ذاتها.
رغم أن بعض التحليلات ذهبت إلى أن هناك “اتفاقًا غير معلن” بعدم التصعيد، فإن الحقيقة أن واشنطن اختارت عدم الرد عسكريًا، في إشارة صريحة إلى عجزها عن فتح جبهة جديدة بعد فشل استراتيجياتها الردعية.
ترامب في مأزق دستوري.. وإسرائيل تُستجدى لوقف إطلاق النار
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي محاولة يائسة لاستعادة الهيبة الأمريكية، حاول تمرير ضربة شاملة ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن الكونغرس رفض بشكل قاطع، واعتبر ذلك تجاوزًا لصلاحياته وخرقًا للدستور الأمريكي، ما زاد من تعقيد المشهد الداخلي في واشنطن، وأدخل البيت الأبيض في أزمة قرار.
ولم يجد ترامب مخرجًا سوى الضغط على إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار، وهي سابقة لم تحدث منذ عقود، حيث كانت تل أبيب دائمًا هي من تُملي شروط النهاية.
البرنامج النووي الإيراني.. لم يُمس
رغم الضربات الإسرائيلية التي طالت منشآت نووية إيرانية، فإن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) تؤكد أن البنية التحتية للبرنامج ما زالت قائمة، ولم تُسجل الوكالة تعطيلًا جوهريًا أو تراجعًا في مستوى التخصيب أو القدرة التشغيلية، وهو ما يؤكد أن كل ما جرى لم يكن سوى محاولة يائسة لإحباط مشروع صار بحكم الواقع أمرًا مفروغًا منه.
سقوط الردع النفسي وتغير معادلات الحرب
أهم نتائج هذا التصعيد التاريخي هو سقوط الردع النفسي الإسرائيلي والأمريكي معًا. فمن الآن فصاعدًا، لم تعد إسرائيل تلك “الدولة الآمنة” التي لا تصلها النيران. الحرب انتقلت إلى العمق الإسرائيلي، ولم تعد مقتصرة على أراضٍ عربية تُستباح بالدم والنار.
كما أن إيران، بما حققته من نجاح تكتيكي ومعنوي، قدمت خريطة طريق جديدة لحلفائها في المنطقة: الردع لا يتحقق بالصراخ والتهديد، بل بالقدرة على الضرب والتأثير في القلب السياسي والعسكري للعدو.
درع إيران القادم: السماء أولًا
الدرس الأقوى الذي خرجت به إيران من هذه الجولة، هو ضرورة تحصين الدفاعات الجوية بشكل كامل حول المنشآت النووية والعسكرية الحيوية. ومن المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة تعاونًا وثيقًا بين طهران وموسكو وبكين في تطوير منظومات دفاعية متطورة، تُغني إيران عن أي اعتماد على أنظمة تقليدية، وتُحصّنها من المفاجآت الجوية.
إيران تكتب فصلًا جديدًا في ميزان القوى
انتهت المواجهة، لكنها فتحت فصلًا جديدًا في الصراع: لم تعد إسرائيل محصنة، ولم تعد أمريكا مرعبة، ولم تعد القواعد الأمريكية خارج دائرة الردع.
في المقابل، إيران خرجت منتصرة في معركة الوعي، والمعادلة العسكرية، والمعركة النفسية. وهو انتصار، حتى وإن لم يُترجم بعد إلى نصر سياسي كامل، إلا أنه كسر ظهر الغطرسة الصهيونية، وهز صورة الجبروت الأمريكي، وبذلك يكون قد دخل التاريخ من بابه الواسع.
رسالة إلى الحكام والعرب والمسلمين المنهزمين والخونة امام الكيان المختل:
من لم يقدر على حماية نفسه لن يحمي عروشكم.
إسرائيل التي عجزت عن صد صواريخ طهران، وأمريكا التي ارتبكت وهربت، لن تكون لكم درعًا بل عبئًا. أنتم احتميتم بعدو الله، وصدق فيكم قوله: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء…” تطبيعكم لم يجلب لكم الأمن، بل كشف عجزكم، وعرّى خيانتكم.
لقد صرتم وكلاء لحماية الكيان، لا حُماة للأوطان. فمن ظن أن القبة الحديدية ستحميه، فليتأملها وقد سقطت،
ومن توهّم الأمان في ظل واشنطن، فلينظر إلى ترامب وهو يتوسل التهدئة.
الكرامة لا تُشترى، والعروش لا تُحمى بالذل، وإنما بالشعوب… إن بقي فيكم نفس حر.