عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: «تجربة إيران».. متى يصبح بإمكاننا مواجهة أمريكا ومصالحها؟

عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: «تجربة إيران».. متى يصبح بإمكاننا مواجهة أمريكا ومصالحها؟

إذا كانت الساعات العشر الماضية قد كشفت زيف العالم، وأسقطت النظام الدولي في مستنقع سقطته الأخلاقية، فإن ما تلاها من تحليلات وتوقعات يكشف ما هو أخطر: العالم بات تحت سطوة إرادة واحدة، لا تردعها قوانين، ولا تقيدها مواثيق، بل لا تخجل حتى من تهديد دولٍ كاملة بالإبادة الشاملة إن هي تجرأت على الرد، أو فكرت في الدفاع عن نفسها.

لقد ظهر جليًا أنه لن تستطيع إيران – ولا أي دولة أخرى – أن تضرب مصالح أمريكا أو تؤذيها فعليًا، إلا إذا كانت هناك قوة أعظم قادرة على ردع أمريكا نفسها. فالقضية لم تعد متعلقة بإيران وحدها، بل بالمبدأ ذاته: من يجرؤ أن يقف في وجه من نصب نفسه إلهًا فوق الأرض؟

وإذا كانت إيران تريد فعليًا ضرب أمريكا أو إسرائيل، فإنها تحتاج أولًا إلى سلاح رادع حقيقي. وكما صرّح ديمتري ميدفيدف، الرئيس الروسي السابق، فإن هناك بالفعل دولًا – من خلف الكواليس – تستطيع تمرير هذا النوع من السلاح إلى إيران، سواء كان نوويًا أو تقنيًا أو حتى سيبرانيًا متطورًا، لكنها تحتاج إلى قرار تاريخي بأن المواجهة لم تعد تحتمل الحذر.

وهنا ينبغي على كل من يظن أنه قادر على مواجهة إسرائيل، أن يعرف أن العدو الحقيقي الأول هو سلاح الجو الإسرائيلي. لا يمكن الحديث عن مقاومة أو انتصار أو ردع دون تحييد الطيران، وهو ما لم تستطع فعله لا الجيوش العربية مجتمعة، ولا حتى دول مثل تركيا أو باكستان التي تمتلك التكنولوجيا ولكن لا تمتلك القرار.

ويجب أن نكون واضحين: الغرب لن يتنازل أبدًا عن وجود إسرائيل في المنطقة. بل هو متمسك بها إلى حد التقديس، ليس حبًا فيها، بل لأنهم هم من تخلصوا منها أولًا. الغرب طرد اليهود من مجتمعاته، وفتح لهم أبواب فلسطين، لا ليكفّر عن خطاياه، بل ليصنع لهم دورًا وظيفيًا قذرًا في صلب الجغرافيا الإسلامية.

هم يعلمون تمامًا شرورهم، ونواياهم، وتاريخهم، ولا يرغبون أبدًا في إعادتهم إلى باريس أو برلين أو لندن. فوجودهم في فلسطين يخدم أربعة أهداف جوهرية:

ردع الشعوب العربية والإسلامية وتهديدها دائمًا بالخطر الوجودي.
ترويض الحكام العملاء وجعلهم أدوات ضغط على أوطانهم.
سهولة الاختراق الأمني والتكنولوجي والاجتماعي في العالم العربي.
زرع الانحلال الأخلاقي والتفكك العقدي عبر الإعلام العربي الذي يسيطر عليه أتباع الصهيونية بثوب عربي ولهجة محلية.

فهل هناك أمل؟ هل نستطيع؟

ربما نستطيع.

لكن فقط إن تعاملنا مع هذه المواجهة على أنها مواجهة وجودية، لا سياسية ولا موسمية. إنها معركة على بقاء الإنسان المسلم حرًا في عقيدته، سيدًا في وطنه، مستقلًا في قراره.

ولنبدأ من القاعدة. لا نتحدث عن حروب ولا قنابل، بل عن وعي حقيقي يبدأ من الاختيار اليومي البسيط. كيف يمكن لأمة فيها أكثر من ملياري مسلم أن تعجز عن إنتاج تطبيقات بديلة لـ “واتساب” أو “فيسبوك” أو “جوجل”؟

كيف لأمة بهذا الحجم أن تكون مستهلكة بالكامل، حتى في أبسط أدوات التواصل والبحث؟
إذا لم نستطع مقاطعة أدوات اليهود الصهاينة اليومية، كيف سندّعي أننا نحلم بردعهم؟
كيف ننتج سلاحًا رادعًا، ونحن غير قادرين على إنتاج تطبيق هاتف بسيط؟

هذه هي الإهانة الحضارية التي نعيشها كل يوم دون أن نشعر.

إذن، البداية ليست من الصواريخ بل من كسر التبعية التكنولوجية والثقافية. من التحرر من أنظمة التشغيل الفكرية قبل أن نحرر الأرض.

نعم، ما جرى في تلك العشر ساعات كشف الهاوية، لكن ما بعدها قد يكون بداية الصعود، فقط إن قررنا أن نواجه، ونخطط، ونعيد بناء أنفسنا من الداخل.

لنبدأ من الوعي.
لنبدأ من المقاطعة.
لنبدأ من القرار.

لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.