عز الدين الهواري يكتب: عشر ساعات من الهاوية.. انهيار القيم في النظام العالمي

عز الدين الهواري يكتب: عشر ساعات من الهاوية.. انهيار القيم في النظام العالمي

الساعات العشر الماضية لم تكن مجرد زمن قصير يمرّ في جدول الأحداث المتسارعة، بل كانت صفعة مدوّية على وجه البشرية، مزّقت قناع الوهم الذي ظللنا نرتديه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

لقد كشفت هذه الساعات حقيقة مرعبة: كنا نعيش في بالونة عملاقة من الوهم، نلوذ بمظلة الأمم المتحدة، ونتغنّى بشعارات “حقوق الإنسان”، دون أن ندرك أننا مجرد عبيد لقوة وحيدة تهيمن على العالم، اسمها أمريكا، وتحكمها اليد الصهيونية التي تلاعبت بكل القوانين والشرائع حتى أحكمت قبضتها على الأرض ومن عليها.

لقد كانت الضربة فجرًا لحظة انكشافٍ شامل، حين هاجمت أمريكا إيران بأكثر من 250 طائرة حربية، تنتمي لأقوى منظومة جوية في العالم، لتدكّ منشآتها وتدمّر برنامجها النووي السلمي بشكل كامل.

ثم لم تكتفِ بذلك، بل طلبت منها الاستسلام، ومنعتها من مجرد التفكير في الرد، وهددتها بوضوح: إن هي ردّت، فستُسحق بالكامل، بل وربما تُمحى من الوجود. هذا ليس عدوانًا عابرًا، بل رسالة دامغة عن طبيعة “القوة” كما يراها هذا العالم الذي يزعم التحضّر.

لقد سقطت كل الأقنعة. اليهود الصهاينة أثبتوا – بما لا يدع مجالًا للشك – أنهم حكّام العالم الحقيقيون. كل الكيانات الأخرى، من الصين إلى روسيا، ومن الدول “العظمى” إلى ما يُسمى الدول العربية والإسلامية، انكشفت على حقيقتها: تَبَع. أدوات في يد السادة، أو خدم يرتدون الياقات البيضاء، يُمنحون قدرًا من “الاحترام المصطنع”، لكنهم ينحنون بذل إذا طُلب منهم ذلك، تمامًا كما تفعل النُّخب التابعة في بلاد العرب.

هذه ليست مجرد كلمات في ساعة غضب، بل كشف شامل للبنية العميقة للنظام العالمي الذي لطالما خدّر شعوب الأرض بخطابات عن العدالة والمساواة والحرية. النظام الذي رأيناه اليوم يُدار وفق قاعدة بسيطة: اضربْ من تشاء، واطلبْ منه ألّا يرد، فإن فعل، فدمّره تمامًا أو أَبِده من الوجود. هذه هي أمريكا، بكل تجلياتها الأخلاقية التي لا تختلف عن منطق العصابات المسلحة.

والحق، فإن الصهاينة يستحقون الفخر بما أنجزوه عبر قرن من التخطيط والاختراق والسيطرة. نعم، لقد صنعوا، وعملوا، واستمروا، بينما بقيت بقية دول العالم تتفرّج، مذهولة أمام المسرحية الصهيونية الكبرى، تنشغل بالعرض بينما تُبنى أمريكا – الدولة/الأداة – فوق جماجم الوعي البشري.

أما لعبة الإلهاء الحقيقية، فكانت القضية الفلسطينية، التي تم تحويلها بدهاء إلى مجرد دمية تُلوّح بها الصهيونية كلما أرادت إثبات قوتها أو اختبار طاعة عبيدها. كانت فلسطين هي الطُّعم، وكانت دماء الفلسطينيين هي المهر الذي دُفع ثمناً لبناء هذا الوحش المسمى إسرائيل.

وها نحن الآن أمام فصل جديد من هذه المهزلة السوداء. إيران، الدولة الوحيدة التي تجرّأت على رفع رأسها في وجه هذا “الدب الصهيوني”، تُحاصر وتُعزل وتُستهدف، لا لشيء إلا لأنها أرادت استرداد شرفها وكرامتها، ولكن دون أن تجد ظهرًا يسندها. لا روسيا ولا الصين، ولا حتى تركيا التي تتغنّى بخطاب المقاومة، ولا باكستان النووية التي التزمت صمت المقابر، امتلكوا الجرأة أو النية الصادقة للوقوف مع إيران. وهكذا، تُركت وحيدة، فريسة لهذا التحالف الشيطاني.

وما يزيد المشهد مرارة أن ما جرى خلال هذه العشر ساعات لا يقلّ تأثيرًا عن قرن كامل من الأحداث. عشر ساعات فقط كانت كفيلة بهدم كل الأوهام التي بُنيت على مدى مائة عام. عشر ساعات بمائة عام.

الآن، لا توجد أي قوة في العالم إلا قوة سيد العالم: الكيان المختل والحاكم المختل. ووجود إسرائيل على أرض فلسطين ما هو إلا أداة للسيطرة على منابع الثروات ومحركات الاقتصاد العالمي: البترول والغاز. وخلال سبعين عامًا، لم تستطع أي قوة انتزاع هذه السيطرة، حتى الاتحاد السوفيتي في عزّ قوته لم يستطع. ولن تستطيع الصين أو روسيا، فالجميع يتفاوض، ولا أحد يجرؤ أن يقف أمام هذا المارد. فهل تستطيع إيران الوحيدة، المعزولة منذ أربعين عامًا، أن تكسر هذا المارد؟… لكن، كمؤمنين، نثق أن الحل عند الله، رب الكون والعباد.

لقد سبق أن حذّر بنجامين فرانكلين نفسه من خطورة ترك اليهود يسيطرون على أمريكا. قال إنهم سيحوّلونها إلى ما يشبه العبودية السياسية والفكرية، وهذا ما نراه اليوم: أمريكا ليست دولة مستقلة، بل آلة ضخمة تحرّكها أصابع اللوبي الصهيوني من خلف الستار.

فهل آن للعالم أن يُفيق؟ هل حان وقت كسر القيد والانعتاق من هذا النظام العالمي المزيّف؟ أم أن الوقت قد فات، وانتهت اللعبة لصالح من صمّموها منذ البداية؟

إنها ليست مجرد أزمة سياسية أو معركة عسكرية. إنها نقطة انكشاف تاريخي. العالم الآن أمام مرآته. والسؤال هو: هل نمتلك شجاعة النظر إلى أنفسنا؟ أم سنواصل الهروب والاختباء خلف كلمات ميتة مثل “القانون الدولي” و”النظام العالمي”؟