عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: في مواجهة القتلة.. عندما يُدار العالم من صراع إلى آخر

عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: في مواجهة القتلة.. عندما يُدار العالم من صراع إلى آخر

لم تكن الضربة الأمريكية على إيران فجر هذا اليوم سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الإجرام المنهجي الذي تتبناه واشنطن وشريكتها في الجريمة الصهيونية. خطة الخداع الكبرى التي مهدت لهذه الضربة، والتي شارك في نسجها اليمين المتطرف في البيت الأبيض، ليست فقط تصعيدًا عسكريًا، بل إعلانًا صريحًا بأننا دخلنا زمنًا جديدًا من الفاشية العالمية، يُدار فيه العالم بعقلية الكاوبوي وبأصابع عسكرية تضغط على الزناد قبل أن تنطق الدبلوماسية بحرف.

لقد تجاوزت أمريكا اليوم دور القائد الدولي إلى مقام “الجلاد الكوني”، تستخدم أدواتها الإعلامية لتبرير القتل، وتدير خطابًا مشوهًا لا يمت للعقل البشري أو القانون الدولي بصلة. أما الكيان الصهيوني، فهو رأس الحربة في هذا المشروع، يتقدم بمذابح الأطفال في غزة ويُبيد شعبًا كاملًا أمام كاميرات العالم، بينما تستمر عواصم الغرب في التثاؤب السياسي، وتصفق ببرود لنهاية الإنسانية.

55 ألف شهيد، أكثر من 130 ألف مصاب، 2.5 مليون إنسان تحت الحصار والمجاعة في غزة، والنتيجة: لا عقاب، لا محاكمة، بل دعم عسكري وإعلامي لمزيد من القتل.

فمن يقبل بالقتل كوسيلة لفرض السلام، هو ليس إلا قاتلًا في ثياب قانوني.

إيران، التي تقف الآن في مهب العاصفة، لا تُواجه جيشًا بل تواجه تحالفًا من البرابرة المعاصرين. ليس أمامها إلا الانحناء أو الانفجار، فالعالم الذي تقوده أمريكا اليوم لم يعد يستوعب لغة المنطق أو التفاوض، بل يتحدث بلغة القوة المجنونة التي لا تؤمن إلا بالهيمنة وسحق الآخر.

لكن، هل من العدل أن تتحمل إيران أو حماس أو أي مقاومة وحدها عبء الدفاع عن أمة ميتة؟!

أمة باعت شرفها مقابل مقاعد في الأمم المتحدة، وصفقات في بورصة الذل، ومبادرات سلام مهترئة لا تحفظ دمًا ولا ترد كرامة؟

لقد قبل العالم العربي والإسلامي بالخضوع، وتخلّى عن مسؤوليته، وأوكل أمره إلى الخوف. لكن لا شيء مجانًا في هذا العالم. وكل من يسكت اليوم على القتل، سيدفع الثمن غدًا عندما يأتيه الدور.

أما من ينتظر العدالة من الروس أو الصينيين، فعليه أن يُدرك أن هؤلاء لا يختلفون إلا في اللهجة، فهم طلاب مصالح، لا مبادئ، و”البراجماتية الباردة” التي يمارسونها أشد قسوة من الصاروخ الأمريكي، لأنها تخدعك ثم تبيعك بأبخس الأثمان.

ترامب ونتنياهو ليسا مجرد شخصين، بل مشروع تدمير ممنهج للعالم، مشروع يؤمن بأن الإنسان لا قيمة له إلا إذا كان أبيض، غربي، يهودي. أما الفلسطيني، الإيراني، العربي، فهو إما إرهابي أو رقم زائد في قوائم القتل.

والعالم الصامت اليوم، سيكون ضحيته القادمة. من يقبل بمحرقة في غزة، عليه أن لا يتعجب إذا اشتعلت النار في روما، وباريس، وواشنطن نفسها. فالحريق لا يختار ضحاياه، حين يُطلق الجنون من قمقمه.

إننا لا نعيش لحظة سياسية، بل نعيش على أعتاب زلزال أخلاقي، سيكون على البشرية إما أن تنهض لمواجهته، أو أن تنقرض أخلاقيًا قبل أن تُباد ماديًا.