إحياء ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي: 56 عامًا على فقدان الصوت العابق بالعاطفة

تحل ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي اليوم، الجمعة 20 يونيو 2025، لتعيد إلى الأذهان مسيرة قارئ قرآني لا يزال صوته يلامس القلوب رغم مرور أكثر من نصف قرن على وفاته.
ففي مثل هذا اليوم من عام 1969، غاب عن الدنيا واحد من أبرز من خدموا كتاب الله تلاوة وخشوعًا، وبصوته العذب ترك أثرًا خالدًا لا يزال يضيء قلوب المستمعين حتى اليوم.
ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي
تمر اليوم الذكرى السادسة والخمسون لذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي، أحد أعمدة التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، والذي وُصف بأنه “الصوت الباكي”، لما يحمله صوته من خشوع وهيبة وإحساس صادق يصل إلى المستمع من دون حواجز.
وعلى مدار سنوات، لم يكن الشيخ المنشاوي مجرد قارئ، بل كان مدرسة فريدة في الأداء القرآني، ومثالًا نادرًا في الإخلاص والصدق.
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي يوم 20 يناير 1920، في قرية المنشاة بمحافظة سوهاج، وسط عائلة قرآنية عريقة، فقد كان والده وجده من كبار قراء القرآن الكريم، وهو ما جعله ينهل من معين التلاوة منذ نعومة أظافره، ويحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ليتحول لاحقًا إلى اسم لامع في سماء التلاوة.
بدأ الشيخ رحلته الفعلية في عالم التلاوة عام 1952، حين قرأ لأول مرة بمفرده في إحدى الليالي بمحافظة سوهاج، وبعدها بدأت مسيرته في القاهرة، وانضم إلى الإذاعة المصرية عام 1953، رغم تردده في البداية، وسجل أولى تلاواته التي لا تزال تبث حتى يومنا هذا.
شهادات العظماء في حق الشيخ المنشاوي
مكانة الشيخ محمد صديق المنشاوي لا تحتاج إلى إثبات، فتكفي شهادات الكبار، فقد قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي: “من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي، فإنه ورفاقه الأربعة مصطفى إسماعيل، وعبد الباسط، والبنا، والحصري، يركبون مركبًا، ويبحرون في بحار القرآن الكريم، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها.”
كما عبر الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب عن إعجابه بالشيخ قائلًا: “المنشاوي حالة استثنائية، لا يمكن التعليق عليه كأي قارئ. صوته حنون ورخيم ونبرته تُلين القلوب والجلود معًا، خاصة في ختام التلاوة حيث يستجمع كل إبداعه، فتعيش معه أقوى لحظات الخشوع.”
نرشح لك: هذا ما قاله الشعراوي عنه.. ذكرى ميلاد الشيخ محمد صديق المنشاوي
أشهر المحطات في حياته القصيرة
أُصيب الشيخ في عام 1966 بمرض في المريء، ونصحه الأطباء بالراحة، لكنه لم يتوقف عن التلاوة، وظل يقرأ القرآن حتى وفاته يوم 20 يونيو 1969، عن عمر ناهز 49 عامًا. وتم دفنه في قريته البسيطة التي وُلد فيها.
كان أول أجر حصل عليه في تلاوة القرآن 10 صاغ فقط، وكان عمره آنذاك 11 عامًا، أما أول أجر حصل عليه من الإذاعة فكان 12 جنيهًا للنصف ساعة، وارتفع لاحقًا إلى 25 جنيهًا عام 1967.
علاقته بجمال عبد الناصر وسفره للخارج
من أبرز المواقف التي تُروى عن الشيخ المنشاوي، طلب الرئيس جمال عبد الناصر حضوره لتلاوة القرآن في مأتم والده، وبعد انتهاء العزاء، طلب عبد الناصر من الشيخ البقاء، وفي صباح اليوم التالي استمع إليه وهو يرتل آيات من الذكر الحكيم، في لحظة تعكس مدى التقدير الذي حظي به من القيادة.
كما حمل الشيخ لقب “مقرئ الجمهورية العربية المتحدة”، وسافر لعدة دول عربية وإسلامية بدعوات رسمية. قرأ في المسجد النبوي، والحرم المكي، والمسجد الأقصى، وكرّمه رؤساء دول منها سوريا والأردن وإندونيسيا، التي منحته وسامًا وطنيًا عام 1955.
قصة المسجد الذي بناه باسم والده
من القصص الإنسانية الطريفة في حياة الشيخ المنشاوي، أنه كان قد بنى منزلًا من طابقين في الستينيات، وكان الدور الأرضي مخصصًا ليكون جراجًا، لكن بعد خلافات مع الجهات التي كانت ستستأجره، قرر الشيخ فجأة أن يحوّله إلى مسجد، خاصة بعدما اقترح عليه أحد أصدقائه المسيحيين أن يكون المكان للعبادة بدلًا من الاستخدام التجاري.
وهكذا تحول الدور الأرضي إلى مسجد كبير سماه “مسجد الشيخ صديق المنشاوي” تخليدًا لاسم والده، في رسالة واضحة عن ارتباطه الشديد بجذوره وبأسرته القرآنية.
إحياء الذكرى ودعوات للاقتداء بنهجه
بمناسبة مرور 56 سنة على ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي، أصدرت وزارة الأوقاف بيانًا على صفحتها الرسمية، جاء فيه: “في الذكرى المباركة لرحيل الشيخ محمد صديق المنشاوي، نستذكر مسيرته التي شكّلت مدرسة خاشعة في التلاوة، ومثالًا نادرًا في الإخلاص والارتباط بالقرآن الكريم سلوكًا وأسلوبَ حياة.”
وأضاف البيان: “ندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته، وندعو شبابنا للاقتداء بنهجه في التفاني، وإتقان التلاوة، وخدمة كتاب الله.”
اقرأ المزيد: وفاة الشيخ السيد سعيد.. من هو “سلطان القراء” الذي تربى على صوته الملايين؟