عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: فلسفة الدفاع عن النفس تستخدمها الدول الغربية لتبرير الجرائم والإرهاب الرسمي لإسرائيل

في مسرحية عبثية تُؤدى على مسرح النظام العالمي، باتت “فلسفة حق الدفاع عن النفس” هي الغطاء الأخلاقي الكاذب الذي ترتديه إسرائيل كلما أرادت أن ترتكب مجزرة جديدة، أو تنفّذ جريمة حرب موثقة، أو تفتعل حربًا شاملة في أي بقعة من هذا الكوكب.
والمفارقة الصارخة أن هذه الفلسفة لا تُمنح إلا لكيان الاحتلال الصهيوني، وتُباركها الولايات المتحدة الأميركية ومعها كتيبة كاملة من الدول الغربية العميلة، في حين تُجرَّد منها كل شعوب العالم العربي والإسلامي.
أيُّ حق دفاع عن النفس يُبيح لكيان مختل أن يضرب العمق الإيراني، ويقصف مطارات سوريا، ويغتال قادة من لبنان، ويمحو أحياء كاملة في غزة، ويهدد تركيا ومصر وباكستان في العلن؟! بل أى فلسفة قانونية أو أخلاقية تُتيح لدولة احتلال أن تُبيد سكان الأرض المحتلة وتُطارد من يدافعون عنها؟!
فليخبرنا المتشدقون بالشرعية الدولية، هل من حق دولة عربية أن تضرب تل أبيب إن شعرت بالخطر من تهديدات نتنياهو أو جنرالاته؟ هل إن شعرت مصر أن وجودها مهدد من مخططات صهيونية في سيناء يحق لها أن تسبق بضربة تحت بند الدفاع عن النفس؟ هل إن شعرت تركيا أن وجودها الجغرافي مهدد من مؤامرات تقسيمية تقودها إسرائيل يحق لها أن تقصف حيفا؟ هل إن شعرت باكستان أن أمنها القومي في خطر من مخطط صهيوني للهند يُبيح لها إطلاق صواريخ على تل أبيب؟!
لا، بالطبع لا. لأن الغرب لا يرى فينا إلا عبيدًا، لا نملك الحق في الرد ولا حتى في الوجود، بينما كيان الاحتلال يملك الحق في القتل، والقصف، والتجويع، وتدمير الجيوش، وتفكيك الدول، ومحو العواصم، كل ذلك بـ”مباركة دولية” وغطاء أميركي صريح.
ما هذا الخلل الأخلاقي والقانوني في النظام الدولي؟
كيف يمكن للعالم أن يصمت بينما تُدكّ المستشفيات في غزة؟
كيف يُمكن أن تُبارك أوروبا ضرب المطارات الدولية السورية واللبنانية؟
كيف يُمكن أن يُصنَّف الدفاع العربي عن الأرض على أنه “إرهاب” بينما يُعَدّ إرهاب إسرائيل “دفاعًا مشروعًا”؟
كيف يُسمح لكيان محتل أن يمتلك ترسانة نووية، بينما تُعاقَب إيران فقط لأنها تفكّر في التخصيب؟
إنه نظام دولي فاسد، منحط، يقف على رأسه طغمة من السياسيين الغربيين الذين لا يمثلون شعوبهم بل يمثلون مصالح شركات السلاح، ولوبيات الصهاينة، وعبيد الدولار.
كوريا الشمالية: الردع هو الحصن الوحيد
انظروا إلى كوريا الشمالية، الدولة الصغيرة المنهكة اقتصاديًا، لكنها فرضت على الجميع احترامها، ليس بالدبلوماسية ولا بالاسترضاء، بل بالقوة والردع النووي.
لا أمريكا، ولا كوريا الجنوبية، ولا اليابان، ولا أي دولة في العالم تجرؤ على الاقتراب من حدودها أو التفكير في قصفها، ليس لأنهم يحبونها أو يحترمون نظامها، بل لأنهم يعرفون أن الرد سيكون قاسيًا، مباشرًا، وحاسمًا.
هكذا تُحمى الأوطان: بالقوة، لا بالكلمات.
مشروع إسرائيل: استعمار قائم يجب إنهاؤه
إن مشروع إسرائيل ليس مجرد دولة تبحث عن “الأمن”، كما تزعم، بل هو مشروع استعمار استيطاني توسعي عنصري، يستهدف المنطقة بأكملها، ويعمل على تفكيك الدول، وضرب الجيوش، وإشعال الحروب الداخلية، وتحويل شعوبنا إلى قبائل متناثرة تتقاتل تحت الرايات الطائفية والمناطقية.
إن وجود إسرائيل بحد ذاته هو اعتداء دائم على الأمة العربية والإسلامية، وشر لا يمكن التعايش معه.
ومثلما تفكك نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ومثلما انتهت أنظمة استعمارية قديمة، فيجب أن ينتهي هذا الكيان المسموم، لا أن يُكرّس كأمر واقع.
تحذير أمني بالغ الأهمية
في ظل هذا الواقع، من الضروري والملح أن تُراجع كل المؤسسات العربية، وخاصة الأمنية والعسكرية والحكومية، جميع الأجهزة الإلكترونية التي تم إدخالها إلى مقارها خلال السنوات الخمس الماضية.
سواء كانت هواتف محمولة، حواسيب، كاميرات مراقبة، سيرفرات، أو حتى أجهزة بسيطة مثل الطابعات والساعات الذكية — فكلها معرضة لأن تكون أدوات اختراق وتجسس، خُطط لها في غرف عمليات المخابرات الصهيونية والغربية.
لقد أثبتت تقارير استخباراتية متكررة أن شركات تكنولوجية غربية وإسرائيلية تقوم بزرع برمجيات خبيثة في الأجهزة، إتعمل كأبواب خلفية تُسهّل مراقبة الاتصالات، وتتبع المواقع، بل وحتى التحكم في البنية التحتية للمؤسسات.
والأخطر من ذلك: أن العديد من هذه الأجهزة تم الترويج لها كـ”أجهزة آمنة”، بينما هي في الحقيقة منصات اختراق متطورة.
فحص شامل، تدقيق صارم، واستبدال فوري عند الشك، هو الحد الأدنى المطلوب قبل فوات الأوان.
رسالتي إلى الحكام العرب:
أيها الحكام،
الدور قادم لا محالة. إن اعتقدتم أن استرضاء أمريكا والصمت على جرائم إسرائيل سيمنحكم الحماية، فأنتم توهمون أنفسكم.
لقد دمروا العراق، ثم ليبيا، ثم سوريا، ثم السودان، وقبلها فلسطين، وهم اليوم يُحضرون للحلقة القادمة.
لن يرحموا منكم أحدًا، لا غنيًّا ولا فقيرًا، لا ملكًا ولا رئيسًا، لا حليفًا ولا تابعًا.
إن القوة وحدها هي التي تحمي، والردع وحده هو الذي يُبقي الأوطان.
فلنبنِ شبكات ردع عربية تعتمد على الذكاء الصناعي والطائرات المسيّرة.
فلنحوّل جيوشنا إلى قلاع تحت الأرض كما تفعل المقاومة.
فلنخلق محورًا عربيًا حقيقيًا مستقلًا، لا يُدار من السفارات الأجنبية.
رسالتي إلى الشعوب:
إن النظام العالمي الحالي لا يعرف الحق ولا العدالة، بل يعرف القوة فقط.
وما لم نتحرّك نحن، ونُطالب، ونُجبر، ونُغير، فإن هذا الكيان اللقيط سيبقى يقتلنا باسم “حق الدفاع عن النفس”، وستبقى أمريكا وأوروبا تُمجّد القاتل وتُدين الضحية.
إنهم لا يدافعون عن إسرائيل، بل عن مشروعهم الاستعماري المشترك، والذي يبدأ بتدمير فلسطين ولا ينتهي حتى يصل إلى مكة والقاهرة وإسطنبول وإسلام آباد.
كفى خنوعًا وخضوعًا،
كفى تبريرًا وتهدئة،
كفى مجاملةً للصهاينة وأتباعهم.
فالدفاع عن النفس ليس حقًا إسرائيليًا فقط، بل هو حق لكل شعب عربي ومسلم، ومن لا يستخدمه اليوم، سيكون غدًا بلا أرض ولا دولة ولا كرامة.
ومن يُهن يسهل الهوان عليه، ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ”