عز الدين الهواري يكتب: إيران تُعيد تأديب الكيان الصهيوني لأول مرة منذ نشأته

للمرة الأولى منذ نكبة عام 1948، يتعرض الكيان الصهيوني لضربة مباشرة، موجعة، قاسمة، في عمقه الاستراتيجي. لم تكن هذه الضربة من حزب أو فصيل، بل من دولة إقليمية كبرى هي إيران، التي أعلنت أن زمن الصمت قد انتهى، وأن كل اعتداء سيُرد عليه في القلب، لا في الأطراف.
بدأ التصعيد في فجر يوم 12 يونيو 2025، حين نفّذت إسرائيل عملية جوية معقدة استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية في أصفهان ونطنز وفوردو وكرمنشاه. لم تكن الضربة مجرد رسالة، بل كانت محاولة اغتيال ممنهجة لقدرات إيران الدفاعية والعلمية، إذ استشهد عدد من كبار العلماء النوويين الإيرانيين، كما دُمّرت منشآت سرية ظنّ العدو أنها حصينة. لم تنكر إسرائيل العملية، بل تباهت بها عبر تسريبات، معتبرة أن ذلك جزء من “الردع المستمر”.
لكن الرد الإيراني جاء على غير المتوقع، وفي توقيت خاطف. في مساء 13 يونيو، وبعد أقل من 48 ساعة، انطلقت أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا و100 طائرة مسيّرة هجومية من داخل إيران، لتضرب تل أبيب، ومطار بن غوريون، وقواعد جوية في النقب والجليل، وأهدافًا في القدس. كان الرد الأعنف منذ عقود، ولأول مرة تدخل تل أبيب الملاجئ الجماعية بهذا الشكل، وتُغلق مطاراتها، وتفقد السيطرة على جبهتها الداخلية.
الضربة ليست عسكرية فقط.. بل سياسية ونفسية
لقد أرادت إيران أن تُعلن أن زمن اللعب على حدودها قد انتهى، وأن يد العدو إن امتدت إلى علمائها ومنشآتها، فإن الرد لن يكون عبر وكلاء أو في سوريا ولبنان، بل في قلب الكيان نفسه. ما جرى لم يكن مجرد تبادل نار، بل كسرٌ لمعادلة الردع الصهيوني، التي بنتها إسرائيل على مدار 75 عامًا.
وإن بدا للوهلة الأولى أن الدفاعات الإسرائيلية تصدت لبعض الصواريخ، فإن حجم الأضرار البشرية والمادية، وارتباك القيادة السياسية والعسكرية، يؤكد أن الكيان لم يكن مستعدًا لهذه النوعية من الهجمات. لقد اهتزت صورة إسرائيل كقوة لا تُقهر، كما اهتزت ثقة شعبها في أن جيشها يحميهم من “الخطر الإيراني”.
خلف الضربة الإيرانية.. طوفان الأقصى حاضر
من المهم التذكير بأن هذا التحول لم يأتِ فجأة. بل إن الطريق إليه مرّ عبر غزة. طوفان الأقصى الذي بدأ في 7 أكتوبر 2023، كسر الحاجز النفسي للأمة، وفتح الباب أمام جميع اللاعبين لإعادة تعريف قواعد الاشتباك مع إسرائيل. لولا هذا الطوفان، ما كانت إيران لتتجرأ على استهداف تل أبيب بهذه الصورة، وما كانت الدول الكبرى لتقف مترددة في الدفاع العلني عن الكيان.
إن طوفان الأقصى هو الفاتحة الكبرى لتحرير الإرادة العربية والإسلامية، وهو الذي كشف هشاشة إسرائيل من الداخل، بعد أن فضح عجزها عن استعادة الأسرى، أو إخضاع غزة رغم مرور أكثر من 600 يوم من الحرب.
مشروع “إعادة تشكيل الشرق الأوسط” سقط تحت أقدام المقاومة
لقد أرادت أمريكا وإسرائيل إعادة تشكيل الشرق الأوسط سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، عبر تعيين عملاء كحكام للمنطقة، وفرض وقائع التطبيع بالقوة، كما أعلن ترامب نفسه حين قال: “سنصنع السلام بالقوة”. هذا المشروع، الذي سُمِّي زيفًا بـ”الشرق الأوسط الجديد”، كان يستهدف تغيير هوية المنطقة، وتحويلها إلى حديقة خلفية آمنة لإسرائيل.
لكن ما فعله طوفان الأقصى، وما تبعته من ضربات إيران القاصمة، قد قلب الصورة بالكامل، بل قلب الموازين. باتت إسرائيل، ومعها أمريكا وحلفاؤها، في أضعف حالاتهم. لم يتبقَ أمام الأمة إلا أن يسقط حكم أردوغان في تركيا، وحكم العملاء في باكستان، وتتحرر إرادتنا بالكامل من كل وكلاء الغرب، فنستعيد قرارنا، وكرامتنا، ونهضتنا.
الصين وروسيا.. مواقف متخاذلة لا يُعوّل عليها
رغم المظهر المحايد واللغة الدبلوماسية، فإن موقف الصين وروسيا لا يُبنى عليه. كلاهما تحكمه مصالح أنانية: شراء النفط، صفقات السلاح، توازنات مع أمريكا. لم يُقدم أي منهما دعمًا حقيقيًا لأية قضية عربية أو إسلامية، ولم يدافع أحدهم يومًا عن فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن. هم أخطر من أمريكا أحيانًا، لأنهم يُخفون مطامعهم خلف أقنعة الحياد، بينما الواقع يُظهر أنهم يسعون فقط لإعادة تقاسم النفوذ لا أكثر.
كيف انهارت الدول تحت ضربات سلاح الجو الصهيوني؟
السلاح الجوي الإسرائيلي، المدعوم أمريكيًا، هو العامل الحاسم في كل معارك الكيان. هذا السلاح، الذي يضرب دون رد، ويخترق الأجواء دون مقاومة، هو الذراع الأخطر، الذي أسقط بيروت وصنعاء ودكّ دمشق وقتل في السودان، واستهدف العلماء من بغداد حتى طهران. وما كان له أن ينجح لولا غياب شبكات دفاع جوي فعّالة، ولولا تواطؤ الأنظمة العميلة التي سمحت بفتح الأجواء أمام طائرات العدو.
أمريكا دولة إرهابية.. آن الأوان لوضعها في حجمها
يجب أن نكفّ عن وصف أمريكا بـ”الراعي النزيه” أو “الوسيط المحايد”. الحقيقة أن أمريكا هي رأس الإرهاب العالمي، وهي من رعت الانقلابات، وقتلت الشعوب، وحاصرت الدول، بل حرقت مدنًا كاملة من أجل مصالحها. أمريكا لا تريد الديمقراطية ولا الحرية، بل تريد فقط مص دماء الشعوب، ونهب مواردها، وتعيين حكام ينفذون لها مخططاتها.
وإن كان الردع قد طال إسرائيل، فيجب أن يمتد إلى أمريكا نفسها، لأن الردع الحقيقي يبدأ من الرأس لا من الذيل. إن ما نحتاجه ليس فقط صواريخ دقيقة، بل قنابل نووية استراتيجية، تضع الغرب وأمريكا في حساب الردع، قبل أن نحلم بتحرير فلسطين. فلا سلام دون قدرة على إيذاء العدو، ولا كرامة دون سلاح يحميها.
الحرب كشفت عملاء الغرب.. الشعوب ليست في حساباتهم
لقد أظهرت حرب غزة، وسوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، أن عملاء الغرب لا يعنيهم الشعب، ولا الأرض، ولا التاريخ. كل همّهم هو تنفيذ مخطط الغرب، وتأمين مصالح إسرائيل، ولو على حساب شعوبهم. تغور الشعوب وتاريخها عند هؤلاء العملاء، المهم أن يبقوا في الحكم، ولو بأمر من السفارة الأمريكية أو دعم من الموساد.
لقد تحررت إيران، وأفغانستان، وغزة، وواجهت أمريكا وإسرائيل، في وقت لم تجرؤ فيه 58 دولة عربية وإسلامية حتى على سحب سفير، أو وقف تطبيع، أو قطع علاقات. فمتى تنهض الأمة كلها كما نهضت طهران وكابول وغزة؟
ما بعد الضربة: مرحلة جديدة من الصراع
لقد دخلت المنطقة الآن مرحلة ما بعد الردع التقليدي. الصراع لم يعد محصورًا في الوكلاء أو الحدود أو الرسائل المشفرة. نحن أمام بداية حرب إقليمية مباشرة بين دولتين، وكل الأطراف تُعيد ترتيب أوراقها:
الولايات المتحدة، التي كانت دائمًا الدرع الواقي للكيان، أصبحت تتخلى عنه تدريجيًا، وتحاول منع التصعيد خوفًا من انفجار أكبر.
دول الخليج تتوجس، وتعيد حساباتها، خشية أن تتحول إلى ساحة حرب بالوكالة.
روسيا والصين، وإن أظهرتا الهدوء، إلا أنهما تراقبان عن كثب لتوظيف الموقف في ملفات أخرى.
أما الشعوب، فقد بدأت تدرك أن الكيان الذي ظل عقودًا فوق المحاسبة، بات الآن عرضة للضرب والتأديب، تمامًا كما يفعل هو بالآخرين منذ عقود.
عندما تؤدب إيرانُ الكيانَ لأول مرة
إنها المرة الأولى التي يشعر فيها الكيان الصهيوني أن هناك من يمكنه أن يردعه بالقوة، ويهدد وجوده لا عبر خطب ولا بيانات، بل بصواريخ باليستية وطائرات انتحارية دقيقة. هذه الضربة قد لا تكون الأخيرة، لكنها بداية لمعادلة جديدة، مفادها: من يضرب… يُضرب. ومن يقتل علماؤنا… لا يهنأ بقادته.
إيران، رغم كل مآخذنا عليها، فعلت ما لم تفعله دول تطبع منذ 50 عامًا. أثبتت أن الكيان يمكن أن يُؤدب، ويمكن أن يُقصف، ويمكن أن يعيش الخوف كما عاشته أمتنا طويلًا.
فهل تعلّم العرب الدرس؟
وهل تكون هذه الضربة بداية توازن جديد… لا يقوم على المفاوضات، بل على القوة؟