سحر الحسيني تكتب: الضربة التي كشفت واقع الدولة.. عندما حلقت الطائرات فوق الجدران المدمرة.

ليست كل الحروب تبدأ بانفجار…
بعضها يبدأ بصمتٍ أكثر فتكًا، إذ تمر الطائرات بلا ضجيج،
وتتفتت الدولة لا من الخارج، بل من عمقها الذي ظنَّته آمنًا.
فجر الثالث عشر من يونيو، تسلَّل الهجوم الإسرائيلي إلى قلب إيران،
كأنَّ الأرض كانت تعرف الطَّرقة من قبل،
وكأنَّ السماء لم تعترض… بل رحَّبت.
لم تكن الضربة مفاجئة من حيث التوقيت أو الغرض،
لكن وقعها فجَّر حقائق قاسية؛
العدو لم يأتِ وحده… الطريق كان ممهَّدًا.
أن تعبر طائرات حربية هذا الكم من المسافات دون أن تُمسَّ،
فهذا يعني أن المسار لم يكن عدوًّا لها…
بل بدا كأنه شريكٌ صامت.
هناك من سكت، من سمح، من أغلق راداره،
أو أدار وجهه للجهة الأخرى.
هل مرَّت من فوق أراضٍ في شرق الأردن؟
أو عبرت فوق غرب العراق، شمال السعودية، أو شرق سوريا؟
لا فرق.
المؤكَّد أن هناك فراغًا جويًّا كان ينتظرها،
وصمتًا رسميًّا رتَّبته أصابع غير بريئة.
أيضًا لم يكن الاختراق من السماء فقط… بل من القلب.
أشد ما في هذه الضربة أنها لم تُوجَّه فقط من خارج إيران،
بل تحرَّكت من داخلها أيضًا.
تقارير تؤكِّد وجود قاعدة سرِّية للطائرات المسيَّرة
في قلب الجغرافيا الإيرانية،
تعمل بإشراف مباشر من جهات خارجية،
وتنفِّذ مهماتها في الوقت نفسه الذي كانت فيه الطائرات تهاجم من السماء.
هذا ليس خرقًا أمنيًّا…
بل انهيارًا في الثقة، وفي تماسك الكيان ذاته.
حين يكون هناك من يدل العدو على مواقع الرادار،
ومن يسهِّل له اختراق الدفاعات،
فالمعركة لم تعد على الحدود، بل أصبحت داخل العصب.
ثم دولة مكسورة من الداخل لا تستطيع أن ترد.
ربما لم يكن الأهم هو عدد الطائرات،
ولا مدى الصواريخ،
بل في غياب الرَّد.
الضربة مرَّت،
وما زال الصمت الرسمي هو الصوت الأعلى.
لماذا لم ترد إيران؟
لأنها واقفة على جغرافيا تخونها،
ولأن بين شعبها من لم يعُد يثق في الحاكم،
ولأن الشرعية السياسية هناك لم تعُد قادرة على توحيد الصف أمام الخطر.
الطوائف متشظِّية،
القوميات متنازعة،
والنظام يعاني من عزلة داخلية أعمق من أي حصار خارجي.
في النهاية…
لم تكن هذه الضربة مجرَّد استعراض قوَّة،
بل كانت رسالة مكتوبة بالنار والاختراق، تقول:
“لم تعُد آمنًا، لا من عدوِّك، ولا من شعبك”.
كانت الضربة كاشفة…
لا لقدرة العدو، بل لهشاشة البنيان.
ضربة في لحظة… عرَّت سنوات من الانقسام،
وسمحت للعالم أن يرى…
أن الدولة التي لا تُحصِّن داخلها،
مهما ارتفعت جدرانها، ستُضرَب من الداخل قبل الخارج.