معصوم مرزوق يكتب لـ«الحرية»: حديث عن منظمة عربية!

معصوم مرزوق يكتب لـ«الحرية»: حديث عن منظمة عربية!

في رائعة نجيب محفوظ ” ثرثرة فوق النيل ” ، يقوم عم عبده بفك الجنزير الذي يربط العوامة بالأرض ، فيحملها التيار بمن فيها من شخوص تمارس نحت وصناعة الكلام ، كأنما هو ختام حتمي للإنفصال عن الواقع .
ولا يقع موقع جامعة الدول العربية بعيدا عن مرافئ بعض هذه العوامات ، ولكن الجامعة عوامة برية ، وإن كانت فيما يبدو تجسد وقائع ” ثرثرة فوق النيل “، ربما أو امتد عمر نجيب محفوظ لكتب رواية عنها !.
منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ، يتطلب بلا شك خبرات وقدرات دبلوماسية لشاغله ، علي إعتبار أن الجامعة تنظيم دولي إقليمي ، تتولي في الأساس التنسيق بين مواقف الدول الأعضاء ،والإشراف علي التفاوض البيني ، وكذلك مع أطراف خارج الدول الأعضاء ، وكل ذلك هو ممارسة دبلوماسية بامتياز .

ولكن من ناحية أخري ، يعتبر منصب الأمين العام منصباً إداريا فهو يعد كبير موظفي المنظمة ، وبالتالي لابد من توافر قدرات وخبرات إدارية متميزة ، لقيادة عمل آلاف الموظفين ، وحسن استخدام إمكانيات المنظمة بكفاءة دون إسراف أو تقتير .

وفي تقديري أنه من الأفضل التقدم بترشيح من يمتلك تلك الخصائص الدبلوماسية والإدارية ، وإذا كان التفكير متجهاً للتقدم بترشيح السيد رئيس الوزراء، فلا يوجد مانع قانوني من ذلك ، فهو علي كل حال مارس العمل الإداري سنوات طويلة ، ويمكن تعويض ما ينقصه من قدرات دبلوماسية بتعيين مساعدين أكفاء مشهود لهم بالخبرة الدبلوماسية .
يفترض أن الإقليم المأزوم كان يستلزم وجود نظام أمني إقليمي كفؤ لتنسيق جهد جماعي يواجه التحديات وينتهز الفرص المتاحة ، ويكون كتلة صلبة في مواجهة الضغوط الخارجية.

لا ادري إذا كان تغيير إسم الأمين العام سوف يغير من الوضع الحالي المحزن للجامعة ، خاصة وأن الميثاق بوضعه الحالي لا يتيح أي مرونة أو فاعلية حقيقية للجامعة ككل في مواجهة تلك التحديات .

ومن ناحية أخري فمن حق كل دولة عضو في الجامعة أن تتقدم بأسماء للترشح لمختلف الوظائف داخل الجامعة ، إلا أن وضع الأمين العام هو وضع خاص تسري عليه قاعدة ” أن المعروف عرفاً ، كالمشروط شرطاً ” ، فمن الثابت أن العرف يلعب دورًا هامًا في تشكيل القانون الدولي كقاعدة قانونية ملزمة، خاصة في القانون الدولي العام الذي يمثل المصدر الأساسي للقانون الدولي. ويتركز مفهوم العرف في تكرار سلوك من قبل الدول، مع الاعتقاد بأن هذا السلوك ملزم قانونيًا.

بالمفهوم السابق ، يصبح اختيار الأمين العام من جنسية دولة المقر قاعدة قانونية وإن سكت عنها الميثاق ، والدليل علي ذلك أنه عندما اتخذت الدول العربية قرارا بنقل الجامعة إلي تونس ، تم اختيار تونسي ( الشاذلي القليبي ) ، لشغل المنصب التزاما بهذا العرف الذي أصبح قاعدة لها احترامها .

في ظني أن المسألة لا تتعلق فقط بضرورة أن يكون الأمين العام قد تقلد وظيفة ” وزير خارجية ” ، وإنما الأهم أن يتحلي بالمواصفات التي ينبغي توافرها في المرشح وتحوز قبول أعضاء الجامعة .
ومن الممكن تخمين أن ذلك قد يكون مقدمة لتعديل وتحديث الميثاق كي يتماشي مع العصر ، ويلبي احتياجات المجتمعات العربية ، ولذلك يميل التفكير للحصول علي امين عام تتغلب فيه الصلاحيات الإدارية علي الصلاحيات الدبلوماسية .

علما بأن المادة ١٢ لا تضع شروطا ، وإنما تنص على أن يعين الأمين العام بقرار من مجلس الجامعة بموافقة ثلثي الأعضاء البالغ عددهم 22 دولة، على أن تكون مدة الولاية 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
لا ينبغي أن يُسمح لهذا الموضوع الوظيفي أن يؤثر علي العلاقة بين مصر وبين أي دولة عربية أخري وخاصة في الخليج ، ومن المؤسف أن ترتفع بعض الأصوات غير الناضجة هنا وهناك ، في محاولة التأثير سلباً علي هذه العلاقات.

ورغم أن الوضع العربي العام ليس في أفضل أحواله ، وهو ما يعكسه آداء الجامعة نفسها ، فأنني أظن أنه إذا كان الخيار بين استمرار الجامعة ولو بهذا الهزال ، وبين التضحية بمنصب الأمين العام حماية لبقائها ، فأن استمرار الجامعة يجب أن يكون الخيار الأنسب .