استراتيجية التأجيل: كيف يستغل حزب الله عامل الزمن؟

مع تسارع الخطوات الحكومية اللبنانية نحو حصر السلاح بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطة تنفيذية تُعرض قريباً، يزداد الضغط على حزب الله للامتثال أو المقاومة. في ظل هذه المتغيرات، يبقى حزب الله أمام خيارات محدودة لعرقلة نزع سلاحه، ما يثير تساؤلات حول المستقبل الأمني والسياسي في لبنان.
ضغوط دولية وإقليمية تصعّد ملف نزع السلاح
تفرض الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً غير مسبوقة على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، الجماعة المسلحة المدعومة إيرانياً. هذه المطالب عززت من جدية التوجه الحكومي نحو إنهاء التمرد المسلح في البلاد، وأثارت حالة توتر كبيرة في الساحة السياسية اللبنانية.وفق تقرير موقع “المونيتور”، لا يمتلك حزب الله سوى ثلاثة خيارات لمواجهة هذه الضغوط: المواجهة المسلحة، الانسحاب، أو المماطلة المدروسة. هذا الوضع يجعل من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، وسط مخاوف من تفجر نزاعات داخلية أو تصعيد خارجي.
حسابات حزب الله: رفض نزع السلاح وحوار مشروط
يرفض حزب الله بشدة نزع سلاحه، معتبرًا أنه “سلاح مقاومة” ضروري لحماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية. الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، أكد مراراً تمسك الجماعة بأسلحتها، محذراً من أن نزع السلاح “قرار آثم” قد يؤدي إلى فقدان سيادة لبنان.وفي محاولة لتخفيف الضغط، يدعو الحزب إلى حوار وطني حول استراتيجية دفاعية شاملة، مشروطًا بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف الضربات العسكرية على لبنان. يرى محللون هذا المطلب كتكتيك للمماطلة لكسب الوقت وتأخير تنفيذ خطة نزع السلاح.
الخيارات الثلاثة: المواجهة، الضغط السياسي، أو المماطلة
يقول ديفيد وود، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، إن حزب الله أمام ثلاثة خيارات في المرحلة الحالية:الاحتجاجات الجماهيرية: دعوة أنصاره للنزول إلى الشوارع، كما حصل في عدة مرات سابقة.الضغط السياسي: دفع وزراء مقربين للحزب أو حلفائه للاستقالة، ما قد يهدد استقرار الحكومة.اللجوء إلى القوة: وهو الخيار الأكثر خطورة، يشير إلى إمكانية حدوث اشتباكات مسلحة مع الجيش اللبناني، كما جرى في أزمة 2008، حين سيطر حزب الله على مناطق في غرب بيروت وفرض واقعه على الحكومة.هذه الخيارات تعكس قدرة الحزب على اللعب بورقة القوة أو الضغط السياسي لمنع نزع سلاحه.
ذكريات الأزمة 2008: قوة حزب الله على الأرض
تاريخياً، أثبت حزب الله خلال أزمة 2006-2008 مدى نفوذه وقدرته على تحدي الحكومة والجيش، إذ اندلعت احتجاجات واشتباكات مسلحة بلغت ذروتها في مايو 2008 مع تيار المستقبل السني. في تلك الفترة، استعرض الحزب قوته العسكرية والسياسية بسيطرته على مناطق مهمة في بيروت، وتم حل الأزمة باتفاق الدوحة الذي أنهى الخلافات السياسية وأدى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.هذه الذكرى تعطي الحزب ثقة في قدرته على فرض شروطه أو على الأقل تأخير تنفيذ قرارات نزع السلاح.
الاحتجاجات المؤجلة: محاولة للحفاظ على الاستقرار
حتى الآن، لم تشهد بيروت احتجاجات حاشدة ضد قرار نزع السلاح، إذ تم تأجيل مظاهرة ضخمة كان من المقرر تنظيمها من قبل حزب الله وحركة أمل. وأعلن الحزبان هذا التأجيل بدعوى “المسؤولية الوطنية” والرغبة في “حوار معمق وبناء”، في خطوة تشير إلى رغبة حزب الله في تجنب التصعيد المباشر في المرحلة الراهنة.يرى المحلل ديفيد وود أن حزب الله يسعى في الوقت الحالي لكسب الوقت وعدم إثارة المشاكل، معتمداً على الدعم الشعبي الكبير بين الطائفة الشيعية.
ورقة الطائفية: دعم شيعي واسع واتهامات بالاستهداف
يشير نيكولاس بلانفورد، الباحث في المجلس الأطلسي، إلى أن حزب الله يحظى بدعم شعبي كبير في المجتمع الشيعي، بما في ذلك من كثيرين لا يؤيدون الحزب نفسه، باعتبار أن محاولات نزع سلاحه تمثل محاولة طائفية لإضعاف الطائفة بأكملها.ووفقاً لاستطلاع الباروميتر العربي في يوليو 2024، يثق 85% من الشيعة اللبنانيين بحزب الله، في مقابل نسبة ثقة منخفضة من الطوائف الأخرى، مما يعكس الانقسام الطائفي العميق في البلاد.
التأخير المستمر: استراتيجية “الرهان على الوقت”
من المرجح أن يعتمد حزب الله على استراتيجية المماطلة، مستغلاً تردد الحكومة في اتخاذ خطوات حاسمة ضد سلاحه، ووعي الحزب بأن الحكومة تفضل تجنب المواجهة العسكرية المباشرة التي قد تجر البلاد إلى حرب أهلية جديدة.المعلق السياسي قاسم قصير يؤكد أن نزع السلاح بالقوة قد يؤدي إلى “تدمير البلاد” ويدعو إلى الحذر من مغبة مواجهة مباشرة بين الجيش والمقاومة، لما لذلك من تداعيات كارثية على استقرار لبنان.خيارات الحكومة اللبنانية: مواجهة صعبة بين حزب الله وإسرائيلرغم التقدم الحكومي في ملف نزع السلاح، إلا أن الحكومة تواجه خيارات ضيقة أيضاً. فالرفض الصريح من حزب الله يجعل التعاون شبه مستحيل، والبديل هو خياران أحلاهما مرّ: إما مواجهة عسكرية مع الحزب أو المخاطرة بتصعيد إسرائيلي واسع في لبنان.ويحذر الخبراء من أن إبطاء الحكومة في ملف نزع السلاح قد يؤدي إلى فقدان إسرائيل صبرها وتصعيد ضرباتها العسكرية، مما قد يدفع حزب الله، بدعم إيراني محتمل، إلى الرد عسكرياً.
دور إيران وتأثير التوترات الإقليمية
تؤكد تصريحات إيرانية دعمها لحزب الله في موقفه الرافض لنزع السلاح، معتبرة إياه خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. ومع ذلك، يبدو أن الحزب يفضل عدم التصعيد المباشر ضد الدولة اللبنانية، ما يشير إلى أن المعركة الحالية قد تظل محصورة في نطاق السياسة والضغط.
لحظة حاسمة لمستقبل لبنان الأمني والسياسي
يواجه لبنان اليوم اختباراً دقيقاً في سعي الحكومة لنزع سلاح حزب الله، الذي يبقى القوة المسلحة الأقوى في البلاد. تكتيك المماطلة، والضغط السياسي، والاحتجاجات المحتملة، كلها أدوات في يد الحزب للحفاظ على وضعه.مع تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية، والتحديات الداخلية، يبقى السؤال: هل ستنجح الحكومة اللبنانية في فرض سلطة الدولة على السلاح، أم ستؤجل الأزمة وتتعمق الانقسامات، مخلفة مخاطر لا تحمد عقباها على لبنان والمنطقة