تصاعد التوترات: 5 نقاط صراع تهدد الاستقرار الجيوسياسي العالمي

يقف العالم على حافة صراعات محتملة قد تُغير مساره الجيوسياسي، إذ تتفاقم التوترات في مناطق متعددة حول العالم بين قوى كبرى، ما يجعل المستقبل غير مستقر ويحمل مخاطر اندلاع حروب قد تكون مدمرة. وتُبرز تحليلات صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية خمس مناطق يُحتمل أن تشهد حروباً خلال السنوات الخمس المقبلة، مع التحذير من أن هذه السيناريوهات ليست مؤكدة، لكنها تتطلب يقظة دولية وحواراً دبلوماسياً مستمراً لتفادي الانزلاق إلى صراعات مسلحة.تتضافر في هذه المناطق عوامل عدة مثل التوترات التاريخية، النزاعات الحدودية، الطموحات الإقليمية، والتسلح النووي، إضافة إلى تطور تكنولوجيات عسكرية حديثة مثل الأسلحة الذاتية التشغيل، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني العالمي.
حرب البلطيق.. اختبار وجودي لحلف الناتو
تعتبر دول البلطيق الثلاث: إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا، نقطة توتر كبيرة بالنسبة لروسيا التي تسعى لاستعادة نفوذها في المناطق التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق.في سيناريو افتراضي، قد تبدأ الأزمة بهجوم إلكتروني روسي يستهدف بنية تحتية حيوية في ليتوانيا مثل انقطاع الكهرباء عن قطار “يانتار”، وهو خط حيوي لنقل الطاقة. هذا الحدث قد يستخدمه الكرملين كذريعة لإرسال قوات إلى المنطقة بحجة “حماية المواطنين الروس” أو “إنقاذ المدنيين”، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري يضع حلف الناتو أمام اختبار وجودي، خاصة إذا أطلقت القوات الروسية النار.يُثير هذا السيناريو مخاوف كبيرة، إذ إن الناتو مُلزم بموجب المادة الخامسة بالدفاع عن أعضاءه، وأي تردد أو تقاعس من قبل الولايات المتحدة في الدفاع عن دول البلطيق قد يؤدي إلى تراجع التحالف وانهياره، مما يعزز من نفوذ روسيا ويضعف النظام الغربي.ويمكن أن تمتد الحرب لتشمل دولاً أخرى في أوروبا مثل بولندا أو ألمانيا، مما يفاقم الأزمة ويجعل الصراع أشمل.ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن روسيا متورطة بشكل كبير في حربها مع أوكرانيا، والتي تكبدت فيها خسائر كبيرة، بما في ذلك آلاف الدبابات والمركبات المدرعة، مما يقلل من قدرتها على فتح جبهة جديدة في منطقة البلطيق.لكن استراتيجية “الحرب الهجينة” التي تعتمد على الهجمات الإلكترونية والعمليات المحدودة قد تجعل التصعيد العسكري المباشر ممكناً في أي لحظة دون إعلان حرب شاملة.
الجيران النوويون.. الهند وباكستان على حافة الهاوية
التوتر بين الهند وباكستان الذي يعود إلى تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، مستمر ومزمن، خصوصاً بسبب النزاع على إقليم كشمير، والذي أدى إلى ثلاث حروب كبيرة في الأعوام 1965، 1971، و1999.في مايو الماضي، تصاعد التوتر بعد هجوم إرهابي تبعه تبادل صاروخي بين الطرفين، مما يعيد إحياء خطر اندلاع مواجهة عسكرية.وتحمل كلتا الدولتين ترسانة نووية، إذ تمتلك الهند حوالي 180 قنبلة نووية، وباكستان حوالي 170، ما يجعل أي تصعيد عسكري محتملاً أكثر خطورة، فقد يؤدي تبادل نووي إلى كارثة بيئية عالمية بما في ذلك “شتاء نووي” قد يسبب مجاعات تطال ملايين البشر.تشكل العتبة المنخفضة لاستخدام الأسلحة النووية في العقيدة العسكرية الباكستانية عاملاً مقلقاً، إلى جانب الضغوط السياسية الداخلية في كلا البلدين التي قد تدفع القادة إلى التصعيد السريع.من ناحية أخرى، فإن نقص قنوات الحوار الفعالة يزيد من مخاطر سوء التقدير والأخطاء التي قد تؤدي إلى اندلاع الحرب.مع ذلك، يُقلل من احتمالية الحرب الشاملة أولويات التنمية الاقتصادية في الهند، بالإضافة إلى المشاكل الداخلية في باكستان مثل التمرد، ما يجعل الطرفين يفضلان تفادي الصراع الواسع في الوقت الحالي.
الغزو الأكثر ترجيحاً.. تايوان تحت مرمى طموحات الصين
يعتبر الغزو الصيني المحتمل لتايوان هو السيناريو الأكثر ترجيحاً للحرب الكبرى خلال السنوات المقبلة، إذ يرى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن استعادة تايوان هدف استراتيجي رئيس، وقد حدد عام 2027 كموعد نهائي لجعل جيشه جاهزاً لغزو محتمل.الصين كثفت تدريباتها العسكرية بالقرب من الجزيرة، وأظهرت تقارير غربية استعدادات متزايدة، في حين تحاول تايوان والولايات المتحدة التصدي لهذه التهديدات.وحال حدوث الغزو، من المتوقع أن يعيد تشكيل النظام العالمي بالكامل، حيث سيضعف التحالفات الأمريكية في آسيا، وقد يحفز انتشار الأسلحة النووية في دول مثل كوريا الجنوبية واليابان.كما أن الولايات المتحدة قد تواجه صعوبة كبيرة في مواجهة الصين عسكرياً بسبب نقص مخزوناتها واستعدادات الصين العسكرية المتزايدة، إضافة إلى خسائر محتملة هائلة في حالة مواجهة مفتوحة.ومع ذلك، ثمة عوامل تحد من احتمالية اندلاع الحرب، منها ضعف الخبرة القتالية للجيش الصيني، وجود فساد داخلي، والمخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها عملية الغزو، ما قد يدفع بكين إلى استخدام استراتيجيات “المنطقة الرمادية” كالحصار والضغط السياسي بدلاً من الحرب المباشرة.
الحدود الأكثر توتراً.. نزاع الهند والصين في جبال الهيمالايا
يمثل النزاع الحدودي بين الهند والصين في منطقة جبال الهيمالايا نقطة توتر أخرى محتملة للحرب. يعود النزاع إلى اتفاقية عام 1914 التي رفضتها بكين، وتصاعد الصراع في عام 2020 مع معركة وادي جالوان التي شهدت اشتباكات دامية.ورغم منع حمل الأسلحة في المنطقة، إلا أن استعداد الطرفين للتصعيد عبر مناوشات عسكرية يجعل خطر اندلاع حرب شاملة قائماً، مع انعكاسات سلبية على سمعة البلدين وتحالفاتهما الإقليمية.الصين قد تستغل النزاع لإضعاف التحالف الأمريكي-الهندي، في حين أن غياب الحوار المستمر والتوتر المستمر يرفع من خطر سوء التقدير.ومع ذلك، الضغوط الاقتصادية الداخلية في البلدين والرغبة في تجنب صراع مكلف تجعل احتمال اندلاع الحرب أقل. كما تحاول الصين الحفاظ على علاقات مستقرة نسبياً مع الهند لتجنب الصراع.
حرب لا تنتهي.. التوترات الدائمة في شبه الجزيرة الكورية
تمثل الحدود المنزوعة السلاح بين كوريا الشمالية والجنوبية واحدة من أكثر مناطق التوتر خطورة في العالم. تعتمد بيونج يانج على ترسانتها النووية كوسيلة ردع، بينما تحظى سيول بحماية عشرات آلاف الجنود الأمريكيين.أي تصعيد في هذه المنطقة قد يؤدي إلى حرب مدمرة، خاصة مع وجود صواريخ كوريا الشمالية التي تصل إلى العاصمة الجنوبية.تفاقم الوضع الاقتصادي السيء في كوريا الشمالية، مع مخاوف كيم جونغ أون من تهديد وجودي، قد يدفعه إلى اتخاذ تحركات متهورة.إلا أن عدم ثقة بيونغ يانغ في قدراتها النووية بشكل كامل، واستقرار العلاقات مع إدارة ترامب، يقللان من احتمالية اندلاع حرب مفتوحة في الوقت الحالي.
ضرورة اليقظة والدبلوماسية لمنع الكوارث
مع تنامي هذه التوترات الجيوسياسية، يصبح من الضروري أن تبقى الدول الكبرى وحلفاؤها يقظين، ويعملوا على تعزيز الحوار الدبلوماسي لمنع اندلاع حروب قد تحمل تداعيات كارثية على العالم بأسره.التحدي الأكبر يكمن في الموازنة بين الردع العسكري والسياسات الدبلوماسية التي تقلل من سوء التقدير وتحافظ على السلام والاستقرار في المناطق الحساسة.في عالم يشهد تطورات عسكرية وتقنية سريعة، لا يمكن الاستهانة بخطر انزلاق أي من هذه النزاعات المحتملة إلى حرب شاملة تغير قواعد اللعبة العالمية.