قناة السويس: رحلة من التأميم إلى العالمية… قصة تنموية واقتصادية مستمرة

في 26 يوليو عام 1956، أعلن الزعيم جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، لينتزع الشعب المصري حقه في السيطرة على شريان ملاحي حيوي ظل لعقود طويلة خاضعًا لسيطرة أجنبية. لم يكن ذلك القرار مجرد لحظة سياسية فارقة، بل كان بداية لمسيرة طويلة من التطوير والتحديث، حولت القناة إلى أحد أعمدة الاقتصاد المصري، ومحورًا استراتيجيًا للتجارة العالمية.
البدايات: قناة محدودة القدرات والإمكانات
عقب التأميم، كانت قناة السويس تمر بحالة بدائية نسبيًا من حيث قدراتها الفنية. لم يكن الغاطس يتجاوز 10 أمتار، ما حدّ من عبور السفن الضخمة، واقتصر المرور على سفن بحمولات لا تتجاوز 30 ألف طن. آنذاك، لم تكن القناة تواكب المتغيرات السريعة في صناعة النقل البحري العالمية.
قناة السويس اليوم: ممر عملاق يستوعب أضخم السفن العالمية
بفضل التطوير المستمر والاستثمارات المتتالية، أصبحت قناة السويس اليوم قادرة على استقبال سفن بحمولة تصل إلى 240 ألف طن، وبغاطس يبلغ 22 مترًا. هذا التطور أتاح لها منافسة أكبر الممرات الملاحية العالمية، واستيعاب السفن العملاقة التي تمثل العمود الفقري لحركة التجارة الدولية.

قناة السويس بالأرقام: نتائج عقود من العمل الوطني
خلال احتفالية الذكرى الـ69 لتأميم القناة، كشف الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، عن أرقام تعكس حجم التحول الذي شهدته القناة منذ عام 1956 وحتى اليوم:عدد السفن التي عبرت القناة: 1.1 مليون سفينةإجمالي الحمولات الصافية: تجاوزت 33 مليار طنالعائدات الإجمالية: بلغت 153.4 مليار دولارهذه الأرقام لم تكن محض صدفة، بل نتاج رؤية وطنية شاملة بدأت مع قرار التأميم، وتواصلت عبر خطط تطوير منهجية شملت توسيع وتعميق المجرى الملاحي، وتحديث البنية التحتية، وإنشاء مسارات جديدة.
قناة السويس الجديدة: نقلة نوعية في الأداء الملاحي
أحد أبرز إنجازات العقد الأخير تمثّل في إنشاء قناة السويس الجديدة، بطول 35 كم، ما أسهم في مضاعفة الطاقة الاستيعابية، وتقليل زمن العبور، وتعزيز كفاءة الخدمة. كما تم زيادة طول المسارات المزدوجة من 27.7 كم إلى 99 كم، ما ساعد على رفع القدرة التشغيلية وخفض زمن الانتظار.
أسطول بحري متطور يدعم الجاهزية والاستقلالية
منذ عام 1956، أضيف إلى الأسطول البحري التابع للهيئة نحو 692 وحدة بحرية، منها 113 وحدة دخلت الخدمة منذ عام 2019 فقط، بما يشمل قاطرات بحرية حديثة مثل “عزم 1″ و”عزم 2” بقدرة شد تبلغ 90 طنًا، إلى جانب لنشات إنقاذ وغوص، ضمن خطة توطين صناعة بناء الوحدات البحرية داخل مصر.وفي ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المضطربة في بعض مناطق الإقليم، حرصت هيئة قناة السويس على التأكيد بأن القناة تظل أكثر الممرات الملاحية أمنًا واستقرارًا في العالم. وفي هذا السياق، دعا الفريق ربيع شركات التأمين العالمية لإعادة النظر في الرسوم المفروضة على السفن العابرة للبحر الأحمر، مشددًا على أن القناة تدار بكفاءة عالية وفقًا لأحدث المعايير العالمية لإدارة الأزمات.
تنمية مجتمعية موازية: مشروعات تنموية لدعم السكان والبنية التحتية
لم يقتصر التطوير على البعد الملاحي فحسب، بل شهدت المناطق المحيطة بالقناة طفرة في المشروعات التنموية والخدمية، كان من أبرزها:محطة مياه 26 يوليو بالإسماعيلية بقدرة إنتاجية 180 ألف متر مكعب يوميًاإنشاء 3 كباري عائمة جديدة لربط سيناء بوادي النيل، وتسهيل حركة النقل والتجارةتعزيز أسطول الإنقاذ والدفع من خلال وحدات بحرية جديدة ترفع جاهزية الهيئة للطوارئ