غزة تعاني من نقص حاد في الغذاء.. وخطورة الاضطرابات الدائمة على مستقبل الطفولة

يواجه سكان غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخهم، في الوقت الذي تحذر فيه منظمات دولية وأطباء من أن المجاعة المنتشرة في القطاع لا تُهدد الأرواح فحسب، بل تنذر بترك آثار “مدمرة ودائمة” على الأطفال، الذين يُشكّلون نحو نصف السكان، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.ففي ظل الحصار الإسرائيلي شبه الكامل، ومع استمرار الحرب التي اندلعت منذ أشهر، يعيش أكثر من مليوني شخص في غزة، بينهم قرابة مليون طفل، أوضاعاً غذائية كارثية باتت تهدد حاضرهم ومستقبلهم على حد سواء.
صور مؤلمة وشهادات طبية مروعة
صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية نشرت الأحد تقريرًا شاملاً عن الأوضاع في غزة، مدعماً بشهادات أطباء وخبراء تغذية، أشاروا فيه إلى أن الجوع المتفشي في القطاع وصل إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة في المناطق الشمالية التي تُعاني من عزلة شبه كاملة.وتُظهر الصور ومقاطع الفيديو القادمة من داخل القطاع أطفالاً هزيلين، وقد التصقت جلودهم بعظامهم، وانتفخت بطونهم من شدة الجوع ونقص البروتين. هذه المشاهد لا تعكس فقط أزمة غذائية، بل تفضح واقعًا إنسانيًا ينذر بتداعيات طويلة الأمد على جيل كامل.
أرقام صادمة وتحذيرات دولية
وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن نحو واحد من كل ثلاثة أشخاص في غزة يمضي عدة أيام دون طعام، بينما تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن سوء التغذية بلغ مستويات تنذر بالخطر. وأوضحت أن “الحظر المتعمد للمساعدات الإنسانية” أدى إلى وفيات كان من الممكن تفاديها.من جهتها، ذكرت منظمة “أطباء بلا حدود” أن ما يزيد عن 5000 طفل خضعوا للعلاج من سوء التغذية خلال أسبوعين فقط في يوليو، مشيرة إلى أن أنظمة الرعاية الصحية في غزة على وشك الانهيار.أما وكالة رويترز، فقد نقلت عن مسؤولين صحيين تحذيرًا من أن الأدوية المخصصة لعلاج سوء التغذية الحاد قد تنفد بحلول منتصف أغسطس، مما يُنذر بكارثة جديدة خلال أسابيع.

آثار دائمة على العقل والجسم
يرى خبراء الصحة أن المجاعة لا تؤدي فقط إلى الوفاة، بل تترك عاهات طويلة الأمد في حال نجا الطفل. يقول الدكتور ذو الفقار بوتا، رئيس قسم صحة الطفل العالمية في مستشفى الأطفال بتورنتو: “بأبسط تعبير، عندما يتوقف النمو والتغذية، يتوقف الدماغ عن النمو”.ويضيف أن الأطفال الذين ينجون من سوء التغذية قد يُعانون من ضعف التركيز، تأخر في التطور المعرفي، مشاكل في المناعة، إضافة إلى اضطرابات نفسية بسبب الصدمات التي يعيشونها يومياً من الحرب والجوع والحرمان.
الرضّع.. الحلقة الأضعف
بحسب “واشنطن بوست”، فإن الأطفال الرضّع الذين ينجون من القصف والمجاعة، يواجهون مستقبلاً غامضاً. فالأشهر الأولى من حياتهم تُعد حاسمة في تشكيل بنية الدماغ والجسم، وأي نقص في هذه المرحلة قد يُفضي إلى أضرار غير قابلة للعلاج.وأوضحت الصحيفة أن إعلان إسرائيل السماح بإسقاط المساعدات جواً غير كافٍ إطلاقًا، إذ أن كل طائرة تنقل كمية أقل مما تحمله شاحنة واحدة، إضافة إلى خطورة عمليات الإسقاط على المدنيين المتواجدين في مناطق الهبوط.

مجاعة تهدد بانهيار اجتماعي
ويحذّر أليكس دي وال، مدير مؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس ومؤلف كتاب “المجاعة الجماعية”، من أن المجاعة في غزة ليست أزمة طارئة فقط، بل قد تتحول إلى حالة انهيار اجتماعي شامل.ويقول في تصريحاته للصحيفة:”عندما يتفشى الجوع، يضطر الآباء لاتخاذ قرارات مؤلمة: من يطعمون؟ ماذا يبيعون؟ من ينجو؟”.ويضيف: “المجاعة في الحروب مثل مجزرة بطيئة، تستمر آثارها حتى بعد توقف القتال”.
دعوات لوقف الحصار وتأمين ممرات إنسانية
في ظل هذه التحذيرات، تجددت الدعوات من قبل المنظمات الدولية لفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الغذائية والطبية، ووقف استهداف منشآت الصحة والمياه، وضمان حماية الأطفال.ومع غياب حل سياسي قريب، يبقى أطفال غزة الضحايا الأكبر، في معركة لا يملكون فيها من أمرهم شيئاً، سوى أجسادٍ منهكة وعقول صغيرة تُصارع من أجل البقاء.