«قاصد» في الفضاء والمخاطر العسكرية: إيران تُعلن عن نجاح اختبار جديد للصواريخ الفضائية

في لحظة مشحونة بالصمت والترقّب، انطلق الصاروخ الإيراني “قاصد” من منصة غامضة داخل الأراضي الإيرانية، مخترقًا الغلاف الجوي وسط سُحب من الشكوك الدولية والأسئلة التي لا تهدأ. لم يكن مجرد اختبار تقني عابر في سجلٍّ فضائي ناشيء، بل رسالة حارقة، مكتوبة بالنار والدخان، موجّهة إلى عواصم قلقة تراقب كل ارتجافة في السماء الإيرانية.تجربة جاءت بعد أيام قليلة من حرب قصيرة لكنها صاخبة بين طهران وتل أبيب، وضربة أميركية استهدفت قلب الطموح النووي الإيراني… وكأن إيران تقول: “نحن هنا.. ولم نُنهِ المشهد بعد.”أعلنت وسائل إعلام إيرانية، الإثنين، أن طهران أجرت اختبارًا شبه مداريًا لـ صاروخ “قاصد”، المصمم لحمل الأقمار الاصطناعية، في أول تجربة من نوعها منذ التوصل إلى وقف إطلاق النار بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل التي استمرت 12 يومًا في يونيو، وشهدت خلالها البلاد أيضًا ضربة أميركية استهدفت منشآت نووية حساسة.وأفادت وكالة أنباء “إرنا” الرسمية بأن الاختبار يأتي في إطار “تقييم تقنيات جديدة في قطاع الفضاء”، وضمن جهود تطوير القدرات الفضائية الإيرانية. ولم تُقدّم الوكالة تفاصيل إضافية بشأن موقع الإطلاق أو مدى نجاح التجربة، كما لم يتم الكشف عن المسار الذي سلكه الصاروخ أو الحمولة التي كان يحملها.
برنامج فضائي أم غطاء لتطوير الصواريخ؟
تقول طهران إن برنامجها الفضائي مخصص لأغراض مدنية بحتة، كتتبع الطقس والكوارث الطبيعية وتطوير البنية التحتية الزراعية، وتنفي وجود أي أهداف عسكرية خلف تجاربها. إلا أن الولايات المتحدة وإسرائيل ودولًا غربية أخرى ترى في هذه الأنشطة غطاء لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات، قادرة على حمل رؤوس نووية.ويؤكد مراقبون أن أي تقدم في تكنولوجيا إطلاق الأقمار الاصطناعية ينعكس تلقائيًا على تحسين دقة ومدى الصواريخ الباليستية، ما يُعد مصدر قلق إقليمي ودولي متزايد، خاصة في ظل التوترات المستمرة بشأن برنامج إيران النووي.
التوقيت يحمل دلالات سياسية
ويأتي هذا الاختبار بعد أسابيع فقط من المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، والتي اعتُبرت الأخطر بين الجانبين منذ سنوات، وتخللها استهداف متبادل بالصواريخ والطائرات المسيّرة. كما نفذت واشنطن ضربة نوعية ضد منشآت إيرانية، في تطور أثار تحذيرات من توسع المواجهة إلى صراع إقليمي مفتوح.
ويرى محللون أن توقيت الاختبار يحمل رسالة مزدوجة: من جهة تؤكد إيران استمرار برنامجها التكنولوجي رغم الضغوط، ومن جهة أخرى تختبر ردود الفعل الغربية بعد التصعيد العسكري الأخير.ومع غياب أي تعليق فوري من واشنطن أو تل أبيب، يظل مستقبل البرنامج الفضائي الإيراني محل جدل دولي، بين من يراه مشروعًا مدنيًا مشروعًا، ومن يراه تهديدًا ناشئًا للأمن العالمي.اختبر “قاصد” السماء، لكن ما هو معلق في الأفق ليس القمر الصناعي، بل مستقبل إقليم تتقاطع فيه الحسابات النووية بالصواريخ، وتتصادم فيه الطموحات التكنولوجية بالمخاوف الأمنية.
في عالمٍ لا يفصل بين منصة إطلاق فضائية وقاعدة عسكرية، يبقى السؤال معلقًا في الهواء:
هل تحلّق إيران نحو التطور العلمي؟ أم أن وقود “قاصد” يشعل نارًا جديدة تحت رماد الحرب الباردة الإقليمية؟
السماء مفتوحة… لكن الأرض، لا تزال على حافة الاشتعال.