فرنسا تُنهي وجودها في السنغال: ختام رمزي لعهد عسكري دام 64 عاماً

فرنسا تُنهي وجودها في السنغال: ختام رمزي لعهد عسكري دام 64 عاماً

في مشهد يحمل دلالات سياسية وتاريخية عميقة، أنهت فرنسا وجودها العسكري الدائم في السنغال، مختتمة بذلك فصلًا استمر لأكثر من ستة عقود في غرب إفريقيا. فقد أعلن الجيش الفرنسي، يوم الخميس، رسميًا انسحابه الكامل من السنغال، التي كانت آخر دولة في المنطقة تحتفظ باريس فيها بقاعدة عسكرية دائمة.وخلال مراسم رسمية في العاصمة داكار، سلّم الجيش الفرنسي معسكر “جيلي” – أكبر قاعدة له في البلاد – إلى جانب منشأة جوية مجاورة، إلى السلطات السنغالية، إيذاناً بنهاية تواجد نحو 350 جنديًا فرنسيًا كانوا متمركزين هناك منذ مارس الماضي.

تحول استراتيجي فرنسي.. واستقلالية سنغالية

وصرّح الجنرال باسكال ياني، قائد القوات الفرنسية في إفريقيا، بأن هذه الخطوة تُعد بداية جديدة للعلاقات العسكرية بين فرنسا والسنغال، مشيرًا إلى أنها تأتي “ضمن قرار استراتيجي بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي الدائم في غرب ووسط إفريقيا”، استجابة أيضًا لرغبة القيادة السنغالية في إنهاء التواجد الأجنبي على أراضيها.من جانبه، أكّد رئيس أركان الجيش السنغالي، الجنرال مباي سيسيه، أن انسحاب القوات الفرنسية “يعكس التوجه الجديد لبلاده نحو استقلالية استراتيجية شاملة في الشؤون الدفاعية”، مضيفًا أن “الهدف الأساسي هو ترسيخ السيادة وتعزيز قدرات القوات السنغالية، في إطار دعم السلم والأمن الإقليمي والدولي”.

نهاية رمزية لتحالف عمره أكثر من نصف قرن

الوجود العسكري الفرنسي في السنغال بدأ مباشرة بعد استقلال البلاد عام 1960، بموجب اتفاقيات تعاون عسكري كانت ترمز لعلاقة خاصة بين داكار وباريس. لكن تغير المناخ السياسي الإقليمي، وتصاعد المشاعر الوطنية، دفعت بالسنغال، كما عدة دول إفريقية، إلى إعادة النظر في هذه العلاقات.وجاء الانسحاب استجابة لدعوة واضحة أطلقها الرئيس السنغالي الجديد، باسيرو ديوماني فاي، العام الماضي، دعا فيها إلى رحيل جميع القوات الأجنبية من البلاد، معتبرًا أن “السيادة الوطنية لا يمكن أن تتحقق بالكامل بوجود قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي السنغالية”.

 وداع الحامي القديم… وبداية عهد السيادة الصلبة

بخروج آخر جندي فرنسي من أرض السنغال، تُطوى صفحة طويلة من التاريخ العسكري الفرنسي في إفريقيا. ما بين الحماية والشراكة، وبين الهيمنة والجدل، ينتهي الوجود الدائم لفرنسا تاركاً وراءه جدلاً واسعاً حول الإرث الاستعماري وتحول موازين النفوذ في القارة السمراء.
السنغال اليوم ترفع شعار “السيادة أولاً”، معلنة بداية عصر جديد يُكتب بحروف إفريقية خالصة، وبقوة جيش وطني قرر أن يحرس حدوده، لا بالتحالفات، بل بالاعتماد على الذات.