زعماء الدروز في السويداء: تباين في الآراء حول المعارضة وتوترات في المشهد الديني

شهدت محافظة السويداء توترًا طائفيًا تصاعد في الأشهر الأخيرة، ليظهر التباين الواضح بين أبرز ثلاثة من شيوخ العقل الدروز – يوسف جربوع، حكمت الهجري، وحمود الحناوي – تجاه الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. بينما يدعو بعضهم إلى التوافق وتعزيز الدولة، يرفع آخرون راية المواجهة، وسط غياب أو صمت من ثالث يوازن بينهما.
الشيخ يوسف جربوع: من الدعم للنظام إلى وساطة مع الحكومة
ولد عام 1970 لعائلة جربوع التي تتقلد مشيخة عقل جبل العرب منذ قرابة 300 عام، وهو من الأسماء المؤثرة محليًا في المصالحات القبلية والقبلية. جربوع المعروف بدعمه السابق لنظام بشار الأسد، شهد حولته بعد انهيار الدولة وموجة الفوضى التي أعقبتها.
مع تفجر الاشتباكات الطائفية الأخيرة في السويداء، برز كصوت معتدل ووسيط فعال، حيث أعلن عن اتفاق مع الحكومة السورية لإنهاء إطلاق النار، وإخراج السلاح غير الشرعي، كما أكد على تفعيل مؤسسات الدولة، وتشكيل لجان مراقبة مشتركة من الحكومة والعشائر لرصد الانتهاكات.
وعلى المستوى السياسي، طرح جربوع انفتاحًا على التنسيق مع الإدارة الذاتية الكردية، مشيرًا إلى “رؤية متجانسة” في الرؤية المستقبلية للسورية المستقبلية، وهو ما أثار تأييد بعض النخب المحلية والاعتراض من آخرين.
الشيخ حكمت الهجري: رفض الاتفاق وتصعيد الدفاع المسلح
ولد عام 1965 ونشأ في فنزويلا حيث أكمل تعليمه، ثم تابع دراسته بكلية الحقوق في دمشق. تولى منصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء عام 2012 بعد وفاة شقيقه.
يدعو الهجري إلى المواجهة المسؤولة ويرى أن أي وقف إطلاق نار أو تسوية يجب أن ينبع من إجماع شعبي، لا من تفاهمات حكومية، منتقدًا الهدنة الجارية ومعتبرًا أن “مقاومة الحكومة وعصاباتها واجب وطني مشروع”.
كما ركز على مطلب بقاء السلاح في يد المجتمع حتى يتم تدوين دستور جديد وتشكيل مؤسسات حقيقية. وكان له موقف بدء مناشدات لتدخل دولي لحماية الطائفة، معتبراً أن الدروز يواجهون مؤامرة “إبادة شاملة”.
وردّ جربوع على رفضه قائلًا: “نحترم رأيه، لكنه لا يمتلك سلطة التنكيل بقرارات المجتمع”.
الشيخ حمود الحناوي: الوسطية تقابل الصمت المؤقت
من مواليد ديسمبر 1943، الحناوي هو أستاذ لغة سابق تولى مناصب تعليمية وعمل لدراسة أوضاع المجتمع قبل عودته للسويداء. تميز بحضوره المعتدل الموقر، داعياً إلى الحوار الوطني وضبط السلاح تحت راية الدولة.
رفض الحناوي بشدة التدخل الأجنبي في الشأن السوري، مطالبًا بحماية دولية مؤقتة للأهالي، وشارك في بيانات مشتركة بهذا الصدد.
ومع تحوله إلى العزل مؤقتًا لإجراء عملية جراحية، اختار التزام الصمت حول الأحداث الراهنة، مما يعكس حرصه على عدم تعميق الانقسامات في الطائفة.
السويداء على مفترق طرق: مواجهة متجذرة أم استعادة الدولة؟
خلال الأيام الماضية، اندلعت اشتباكات عنيفة أسفرت على مدى 90 ساعة عن مقتل أكثر من 300 شخص، بمن فيهم مدنيون ومقاتلون من العشائر والدولة السورية ومسلحين من البدو، وفق تقارير الحقوق. دخلت القوات الحكومية لاحقًا بناءً على تفاهم بشأن وقف إطلاق نار بين وجهاء دروز والسلطة، لكن إسرائيل زعمت أن دمشق خالفت اتفاقًا يقضي بمنع الأسلحة الثقيلة من دخول المنطقة. وسط هذه المواجهة، شنت إسرائيل غارات على أهداف حكومية في دمشق والسويداء، بما في ذلك مقر وزارة الدفاع والقصر الرئاسي.والمعركة التي تشهدها المنطقة لا تتعلق فقط بالسيطرة أو الأمن، بل تمثل مزيجًا من الهوية والطائفة والدولة. ففي حين يدعو جربوع لتوحيد الصف وتفعيل مؤسسات الدولة، يعتبر الهجري التنازل عن السلاح مخلًّا بسيادة الطائفة والمجتمع، ويرى أن الطموح السياسي الحقيقي ليس بدون استقلال طغي حقوق القاعدة الشعبية. أما الحناوي، فيمثل صوت الاعتدال بالداخل، معتبرًا أن الحل هو في قانون الدولة والعمل المؤسساتي وليس في السلاح أو الاعتماد على الجوار الإقليمي.يبدو أن العلاقة بين قيادات الدروز والدولة السورية دخلت منعطفًا جديدًا: بين قبول ببزوغ الدولة من جديد، ورفض عودة الدولة دون ضمانات وشروط وطنية واجتماعية. أمام هؤلاء، يكمن التحدي الأكبر في بناء توافق يسقط الفتن ويحول الانقسام إلى فرصة لبناء سورية موحدة ومستقرة، تتجاوز شرخ الفوضى وتستعيد ثقة مجتمعاتها بالطريق المؤسساتي.