تحت الأرض وبحذر كبير.. هذا هو أسلوب إيران في إخفاء اليورانيوم المخصب

تحت الأرض وبحذر كبير.. هذا هو أسلوب إيران في إخفاء اليورانيوم المخصب

في عمق جبال إيران، وتحت طبقات من الصخر الصلب، تختبئ قصة تتجاوز خيال الكثيرين. كميات ضخمة من اليورانيوم المخصب تُخبّئها طهران في مواقع سرية ومحصنة تحرسها أعمق الأنفاق وأشد الحراس، في تحدٍ صارخ لكل القواعد الدولية. ما يجري ليس مجرد نقل مواد نووية، بل هو إعلان صامت عن استراتيجية جديدة في لعبة القوى العالمية، حيث تتحول الأرض إلى حصن والمواد المشعة إلى ورقة ضغط سياسية وأمنية تثير القلق على مستوى العالم.في تطور يثير قلق العواصم الغربية، كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية عن أن إيران قامت بنقل وتوزيع أكثر من 90% من مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مواقع عسكرية شديدة التحصين، بعضها مدفون على أعماق تصل إلى 150 مترًا تحت الأرض.

حماية مضاعفة ومواقع يصعب اختراقها

وبحسب مصدر دبلوماسي فرنسي في بروكسل تحدّث لوسائل إعلام أوروبية، فإن تقارير “تتبع ومراجعة” أمريكية حديثة أكدت أن هذه المواقع البالغ عددها ما بين 10 إلى 15 منشأة تقع ضمن أو قرب منشآت عسكرية مؤمنة بشكل خاص ضد التهديدات العسكرية والتقنية. وأشار إلى أن التعامل مع هذه المرافق يتطلب عمليات عسكرية معقدة تشمل اقتحامًا بريًا وإنزالًا جويًا، وهو أمر بالغ الصعوبة حتى بالنسبة للقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل.

مواقع جديدة في شاهرود وزاجروس

أحدث هذه المواقع، بحسب المصدر، يقع في مدينة شاهرود بمحافظة سمنان، حيث تم تحويل منشأة عسكرية إلى مخبأ جديد لليورانيوم المخصب، مع توفير حماية تقنية وهندسية عالية المستوى. كما رُصد موقع آخر في جبل زاجروس، وهو ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها طهران لتأمين برنامجها النووي بعد استهداف مواقع سابقة مثل نطنز وفوردو.

شكوك حول الكميات ودرجة النقاء

المصدر ذاته شكك في دقة تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تحدثت عن امتلاك إيران لـ400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، مرجحًا أن الكمية قد تكون أكبر من ذلك بكثير، ربما تصل إلى 600 كيلوغرام.

وجهة محتملة في حال الاتفاق: روسيا أم الصين؟

في سياق متصل، كشف دبلوماسي عربي رفيع يعمل في ستوكهولم عن أن إيران تدرس نقل جزء من مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى دول محايدة في حال التوصل لاتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة. ووفق المصدر، فإن طهران تفضّل تقاسم النقل بين موسكو وبكين، لتعزيز موقعها التفاوضي وضمان عدم احتكار طرف واحد لمصير مخزونها النووي.وأكد أن إشراك الصين تحديدًا يعكس رغبة إيران في تعزيز دور بكين في أي ترتيبات نووية مقبلة، خصوصًا مع قلقها من التزام إدارة ترامب المستقبلية بأي اتفاقات، خاصة في ملف رفع العقوبات الاقتصادية.إن خطوة إيران بتوزيع مخزونها النووي في مواقع عسكرية عميقة ومحكمة الحماية، إلى جانب محاولاتها نقل كميات من اليورانيوم إلى موسكو وبكين، تعكس تحوّلاً استراتيجياً في ملفها النووي، يكسر المفاهيم التقليدية للرقابة والشفافية. هذا الأمر لا يقتصر على تحدي واشنطن فقط، بل يمثل تحوّلاً في موازين القوى الإقليمية والدولية، حيث تستخدم طهران برنامجها النووي كورقة تفاوض وربما رافعة نفوذ في مواجهة العقوبات والضغوط الغربية. في نهاية المطاف، قد يدفع هذا التوتر إلى إعادة رسم خارطة التحالفات والصراعات في الشرق الأوسط، ويدفع المجتمع الدولي لإعادة التفكير في آليات التعامل مع الأزمات النووية التي لم تعد مجرد قضايا تقنية، بل قضايا سياسة بامتياز.