صفقة غزة تواجه التحديات.. هل سيتمكن نتنياهو من إقناع حلفائه المتطرفين بعدم الإطاحة بحكومته؟

تشهد الكواليس السياسية في إسرائيل مفاوضات مكثفة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزيريه المتشددين إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، في محاولة منه لمنع انهيار حكومته الائتلافية. جاءت هذه الجهود بعد عودة نتنياهو من واشنطن، حيث يبذل جهوداً حثيثة لإقناع حلفائه بعدم الاستقالة حال توقيع اتفاق الهدنة مع حماس. وتشير مصادر إعلامية عبرية إلى أن نتنياهو عقد اجتماعاً ليلياً طويلاً مع الوزيرين في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة.
الورقة الإيرانية و”المدينة الإنسانية”
كشفت جلسات التفاوض الداخلية عن استراتيجية نتنياهو في إقناع وزرائه، حيث ركز على عنصرين رئيسيين: الأول هو التهديد الإيراني الذي قدمه كسبب لاختلاف هذه الجولة عن سابقاتها، والثاني هو خطة ما بعد الهدنة التي تتضمن إنشاء “مدينة إنسانية” في شمال غزة. ووفقاً لتقارير القناة 12 العبرية، أكد نتنياهو لسموتريتش أن الجيش سينفذ تعليماته بحصار شامل لغزة بعد انتهاء الهدنة، في حال رفضت حماس نزع سلاحها.
سموتريتش بين الوعود السبع والخوف من الانتخابات
يواجه وزير المالية سموتريتش معضلة سياسية حقيقية، فهو من ناحية يتذكر جيداً كيف نقض نتنياهو سبع وعود سابقة له، ومن ناحية أخرى يدرك أن إسقاط الحكومة قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة تخسر فيها أحزاب اليمين المتطرف جزءاً من نفوذها. وتشير مصادر مقربة من سموتريتش إلى أنه قد يرضخ في النهاية ويقبل بالهدنة، شرط أن يكون هناك ضمانات كافية لاستئناف العمليات العسكرية لاحقاً، مما يجعله يفضل البقاء في الحكومة على المخاطرة بانتخابات مبكرة.
بن غفير.. لعبة الصمت والتكتيك
أما وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير فقد اختار نهجاً أكثر غموضاً، حيث تجنب الإجابة المباشرة عن نواياه في حال توقيع الاتفاق. وتحليل المصادر السياسية يشير إلى أن بن غفير ينتظر ليرى الضمانات التي سيحصل عليها، وأنه قد يرضخ في النهاية إذا تأكد من أن الهدنة مؤقتة وأن الحرب ستعود بعدها. وقد أظهر اجتماعه مع نتنياهو أن هناك بعض المرونة في موقفه، رغم تصريحاته السابقة المعارضة لأي هدنة.
تهدئة الجبهة الداخلية.. من الحريديم إلى الليكود
لا تقتصر أزمات نتنياهو على وزرائه المتشددين، فهو يواجه أيضاً تململاً داخل حزبه الليكود بسبب قضية تجنيد الحريديم. وقد عقد رئيس الوزراء اجتماعاً منفصلاً مع يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الخارجية والدفاع، في محاولة لاحتواء هذه الأزمة التي قد تشكل تهديداً آخر لاستقرار حكومته. وتشير تقارير إعلامية إلى أن نتنياهو يحاول تأجيل كل هذه الأزمات إلى ما بعد التوقيع على الهدنة، في إستراتيجية واضحة لشراء الوقت.
سيناريوهات متوقعة.. بين الانهيار والاستمرار
في ظل هذه المعطيات، تبرز عدة سيناريوهات محتملة: الأول هو نجاح نتنياهو في إقناع حلفائه وتمرير الصفقة مع تجميد الأزمات الداخلية مؤقتاً. والثاني هو انهيار المفاوضات مع حماس مما يلغي الحاجة للاستقالات. أما السيناريو الثالث فهو انفجار الأزمة لاحقاً إذا شعر الوزراء المتشددون أن نتنياهو لن ينفذ وعوده. وتشير معظم التقديرات الحالية إلى أن السيناريو الأول هو الأرجح، حيث أن كلا الوزيرين يدركان أن خسائرهما في انتخابات مبكرة قد تكون أكبر من مكاسبهما من الاستقالة.
المشهد السياسي الإسرائيلي يشبه اليوم ساحة معركة أخرى، لكنها هذه المرة تدور في المكاتب المغلقة وليس على حدود غزة. نتنياهو، ببراعته السياسية المعروفة، يحاول إدارة صراع على جبهات متعددة: مع حماس، مع واشنطن، ومع حلفائه المتشددين. النجاح في هذه المعادلة المعقدة يتطلب أكثر من مجرد وعود – إنه يحتاج إلى ضمانات ملموسة قد لا يكون قادراً على تقديمها. الأيام المقبلة ستكشف عما إذا كانت هذه المرة ستكون فعلاً مختلفة، أم أنها ستكون مجرد حلقة أخرى في مسلسل الأزمات السياسية الطويل.”