رسوم ترامب تثير توتراً تجارياً جديداً مع أوروبا: استياء وتحذيرات من إجراءات انتقامية

رسوم ترامب تثير توتراً تجارياً جديداً مع أوروبا: استياء وتحذيرات من إجراءات انتقامية

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إشعال فتيل التوترات التجارية العالمية بإعلانه فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من الاتحاد الأوروبي والمكسيك، بدءًا من الأول من أغسطس المقبل. القرار، الذي أعلن عنه السبت، أثار ردود فعل غاضبة من قادة الاتحاد الأوروبي ودفع الحكومات الأوروبية إلى التهديد بإجراءات انتقامية قد تضع العلاقات الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي على مسار تصادمي جديد.هذا القرار يأتي في سياق تزايد الانتقادات داخل الولايات المتحدة بشأن العجز التجاري المتزايد، حيث سجلت واشنطن في عام 2024 عجزاً بلغ 236 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي – بزيادة 13% عن العام السابق – مما دفع ترامب إلى اتخاذ هذا الإجراء الذي وصفه بأنه “ضروري لحماية الاقتصاد الأميركي من الممارسات التجارية غير العادلة”.

أوروبا ترد: وحدة في الموقف وتحذيرات من تصعيد

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين كانت من أوائل من ردوا على القرار، حيث أكدت في بيان رسمي على التزام الاتحاد الأوروبي بالحوار والتفاوض من أجل التوصل إلى حل متوازن. لكنها في الوقت نفسه حذرت بوضوح من أن الاتحاد لن يتردد في “اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لحماية مصالحه”، مشيرة إلى أن تبني “تدابير مضادة متناسبة” يبقى خياراً مطروحاً إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل الأول من أغسطس.

ماكرون: يجب استنفار كل أدوات الرد الأوروبي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صعّد اللهجة، داعياً المفوضية إلى الاستعداد الكامل للرد على التصعيد الأميركي. وفي منشور له على منصة “إكس”، شدد على أن أوروبا تفاوضت بحسن نية على مدار أسابيع، لكن “المسؤولية تقع الآن على عاتق المفوضية لتأكيد عزم أوروبا على الدفاع عن مصالحها بكل الوسائل الممكنة”.

ميلوني: حرب تجارية بلا معنى

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وصفت القرار بأنه “لا معنى له”، محذّرة من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي. وقال مكتبها في بيان رسمي إن “إشعال حرب تجارية جديدة بين شريكين اقتصاديين كبار مثل أميركا وأوروبا لا يصب في مصلحة أي طرف”.

قلق متزايد من العواصم الأوروبية

من كوبنهاغن إلى ستوكهولم وأمستردام، تتابعت ردود الفعل الأوروبية. وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكا راسموسن وصف الخطوة الأميركية بأنها “نهج عديم الجدوى وقصير النظر للغاية”، في حين أكد رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون أن المستهلكين الأميركيين سيكونون المتضرر الأكبر من هذه السياسة، لأنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتعطيل سلاسل الإمداد.وفي لاهاي، وصف رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف القرار الأميركي بأنه “مقلق للغاية”، مضيفًا في منشور على منصة “إكس” أن “الاتحاد الأوروبي يجب أن يبقى متحدًا وحازمًا في السعي لاتفاق متوازن يخدم الطرفين”، مؤكدًا دعم بلاده الكامل للمفوضية الأوروبية في أي خطوات قد تتخذها.

المكسيك تدخل على خط الأزمة

في المقابل، أعربت الحكومة المكسيكية عن رفضها القاطع للرسوم الأمريكية، حيث أكدت في بيان رسمي أن الوفد المكسيكي أبلغ المسؤولين الأميركيين خلال محادثات في واشنطن أن القرار يُعد “معاملة غير عادلة”، خصوصًا أن البلدين يرتبطان باتفاقية تجارة حرة محدثة (USMCA). وأكدت المكسيك أنها ستدرس اتخاذ خطوات لحماية مصالحها الوطنية.

أرقام ووقائع: هل الرسوم الجمركية مبرّرة؟

وفقًا لأرقام مكتب الممثل التجاري الأمريكي، بلغت قيمة الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة في عام 2024 نحو 606 مليارات دولار، مقابل واردات أمريكية أقل بكثير، مما دفع إدارة ترامب إلى التركيز مجددًا على “إعادة التوازن التجاري”. ومع أن هذه الأرقام تشكّل ذريعة للرسوم، إلا أن الاقتصاديين حذروا من أن فرض ضرائب على الواردات سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في السوق الأمريكية، وبالتالي ينعكس سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.

اجتماعات أوروبية طارئة واستنفار دبلوماسي

في ظل التصعيد المتزايد، دعت المفوضية الأوروبية إلى اجتماع عاجل لوزراء التجارة من الدول الأعضاء في الاتحاد يوم الإثنين لمناقشة الرد الجماعي المحتمل، وتنسيق الموقف الأوروبي تجاه القرار الأمريكي، إلى جانب مناقشة العلاقات التجارية مع الصين التي تشهد توتراً بدورها.وقال مصدر دبلوماسي أوروبي إن “الاجتماع سيحمل طابعاً حاسماً، وقد يشهد أولى ملامح الرد الأوروبي الموحّد إذا لم تبادر واشنطن إلى التراجع أو التفاوض الجاد”.

هل نحن أمام بداية حرب تجارية شاملة؟

القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية جديدة يعكس نهجًا تصعيديًا يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب التجارية بين واشنطن وبكين في السنوات السابقة. وإذا لم يتم التوصل إلى تسوية تفاوضية قبل الأول من أغسطس، فإن الاتحاد الأوروبي والمكسيك سيواجهان معركة اقتصادية مفتوحة مع شريكهم التجاري الأكبر.وبينما تؤكد بروكسل أنها لا تزال تؤمن بالدبلوماسية والحلول التوافقية، فإن التحضير لإجراءات مضادة يؤشر إلى أن التوتر مرشح للتصاعد. في المقابل، يراهن ترامب على شعبيته الداخلية عبر تصعيد اقتصادي قد يكون له ثمن باهظ ليس فقط على أوروبا، بل على الاقتصاد العالمي بأسره.ويبقى السؤال الأبرز: هل يمكن للدبلوماسية أن تنتصر قبل فوات الأوان؟