جنوب لبنان في مرمى النيران: مدى صمت حزب الله أمام التحديات الإسرائيلية

جنوب لبنان في مرمى النيران: مدى صمت حزب الله أمام التحديات الإسرائيلية

تتزايد حدة الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بشكل ملحوظ، رغم مرور سبعة أشهر على اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله. هذا التصعيد، الذي يُعد مؤشرًا على مرحلة خطيرة في المنطقة، لم يصل بعد إلى حدود الحرب الشاملة، وفقًا لخبراء سياسيين ومحللين ميدانيين. في هذا التقرير، نستعرض أسباب هذا التصعيد، تأثيره على المشهد اللبناني والإقليمي، إلى جانب قراءة تحليلية عميقة لصراع مستمر بين إسرائيل وحزب الله.

تصعيد متبادل وتوترات متزايدة في جنوب لبنان

تتصاعد الهجمات الإسرائيلية على مواقع في جنوب لبنان، خاصة تلك التي تُعتبر تابعة لحزب الله، في ظل محاولات تل أبيب الحد من تهديدات يُعتقد أنها تنبع من هذه المواقع. ورغم الهدوء النسبي الذي فرضه اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى برعاية لجنة خماسية دولية ضامنة للهدنة، فإن التصعيد المتواصل يشير إلى أن التوتر لا يزال حاضرًا بقوة في المنطقة.يرى محللون أن التصعيد الحالي لا يهدف إلى اندلاع حرب مفتوحة، بل إلى ممارسة ضغط متبادل بين إسرائيل وحزب الله، في إطار لعبة سياسية وعسكرية معقدة. فإسرائيل تسعى إلى استغلال نقاط ضعف الاتفاق لتوجيه ضربات محدودة تستهدف مواقع معينة، بينما يفضل حزب الله، الذي يعي تداعيات الحرب، الابتعاد عن المواجهات الكبرى حفاظًا على قوته واستقراره الداخلي.

فشل آليات ضبط وقف إطلاق النار وتحديات تطبيق الاتفاق

أكد الكاتب والباحث السياسي اللبناني سركيس أبو زيد أن وقف إطلاق النار لم يُترجم بعد إلى واقع ميداني ثابت، مشيرًا إلى ضعف دور اللجنة الخماسية المشرفة على الاتفاق. أبو زيد أوضح أن هذه اللجنة لم تضغط بشكل كافٍ على إسرائيل لضمان احترام وقف إطلاق النار، مما أتاح لتل أبيب حرية تنفيذ عمليات عسكرية محدودة.على الجانب اللبناني، قامت الدولة بمحاولات ملموسة لتطبيق بنود الاتفاق، منها دخول قوات الجيش اللبناني إلى أكثر من 500 موقع تابع لحزب الله، ومصادرة عدد من الأسلحة. لكن أبو زيد يشير إلى أن هذه الإجراءات لم تكن كافية لفرض الاستقرار بسبب نقص الموارد والقدرات اللوجستية، إضافة إلى الأجواء السياسية المتوترة التي تحد من قدرة الدولة على القيام بدورها الضامن.أبو زيد يؤكد أن لبنان بحاجة إلى دعم دولي وسياسي لتمكينه من فرض الأمن، فضلاً عن تحرك فعال من اللجنة الخماسية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، وتفعيل آليات سلمية لاستلام وتسليم أسلحة حزب الله بعيدًا عن الاشتباكات.

هل تلوح بوادر حرب شاملة؟ قراءة في حسابات حزب الله وإسرائيل

يرى أبو زيد أن احتمال اندلاع حرب شاملة ما زال منخفضًا، مشيرًا إلى أن التصعيد الحالي هو في جوهره مناورة سياسية وعسكرية. الحزب يفضل الاستمرار في “اللعب بالنار” ضمن حدود معينة بهدف تحقيق مكاسب سياسية داخلية وإقليمية، دون دفع الثمن الباهظ لحرب مفتوحة قد تضر به وببيئته الشعبية.بدوره، يوضح المحلل السياسي طوني بولوس أن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عن أمنها ضمن إطار الاتفاق، مستغلة عدم تنفيذ الدولة اللبنانية لدورها كاملاً في ضبط حزب الله. ويرى بولوس أن قرار إسرائيل بمهاجمة مواقع محددة يأتي ضمن سياسة دفاعية أكثر منه هجومًا استباقيًا، موضحًا أن الحزب لا يمتلك القدرة أو الرغبة بفتح جبهة واسعة في ظل الظروف الحالية.ومع ذلك، يبقى الوضع هشًا، حيث يمكن لأي اشتباك صغير أن يتفاقم إلى مواجهة أوسع إذا ما فقدت الأطراف القدرة على ضبط النفس، أو إذا ما تدخلت عوامل خارجية زادت من توتر المنطقة.

جذور معقدة وحقبة من المواجهة

بدأ صراع إسرائيل وحزب الله في بدايات الثمانينيات، حين تأسس الحزب كرد فعل على الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. شهد هذا الصراع عدة حروب ومواجهات، كان أبرزها حرب تموز 2006 التي استمرت 34 يومًا وأسفرت عن دمار واسع في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.حزب الله، المدعوم من إيران وسوريا، يرى نفسه كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة مكنته من فرض توازن رعب مع إسرائيل، خصوصًا في المناطق الحدودية. من جانبه، تسعى إسرائيل إلى منع الحزب من تعزيز قوته العسكرية وإقامة قواعد صواريخ أو تحصينات على مقربة من حدودها، معتبرة أن ذلك يشكل تهديدًا استراتيجيًا.اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى عام 2023 جاء بوساطة دولية، وهدفه تهدئة الوضع على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، لكن هشاشته وعدم وجود آليات فعالة لتطبيقه يجعل التصعيد المتكرر أمرًا متوقعًا.

لعبة التوازن والضغط المتبادل

ينظر إلى التصعيد الأخير على أنه جزء من لعبة ضغط بين الطرفين، يسعى كل منهما لإرسال رسائل سياسية وعسكرية: إسرائيل تؤكد أنها لن تسمح بوجود تهديدات على حدودها، وحزب الله يختبر رد الفعل الداخلي والخارجي من دون الدخول في مواجهة شاملة.اللافت أن هذا التصعيد يتزامن مع مرحلة دقيقة على الصعيد اللبناني، الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية، مما يجعل قدرة الدولة على فرض سلطتها أقل مما يجب، ويعزز من نفوذ الميليشيات المسلحة.كما أن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على فرض سيطرة تكتيكية على الأرض، دون خوض حرب كبرى قد تجر المنطقة إلى صراع مفتوح، خصوصًا في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة بين إيران وحلفائها والولايات المتحدة وحلف الناتو.من جهته، يتجنب حزب الله النزاع المفتوح، مفضلًا إعادة ترميم قدراته السياسية والعسكرية عبر الوقت، مع استمرار سيطرته على المشهد السياسي اللبناني عبر تحالفاته المتنوعة.

معادلة هشّة تحكم المشهد في جنوب لبنان

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن جنوب لبنان سيستمر في حالة من التوتر والتصعيد المحدود، حيث توازن القوى بين إسرائيل وحزب الله قائم على سياسة الضغط المتبادل دون الوصول إلى حرب شاملة. لكن هشاشة الاتفاقات والافتقار إلى آليات تنفيذية فعالة يهددان بإشعال فتيل مواجهة جديدة في أي لحظة.المنطقة اليوم بحاجة إلى جهود دولية وإقليمية لتعزيز الاستقرار، عبر دعم الدولة اللبنانية في فرض سيادتها، وتشجيع الطرفين على التهدئة وفتح قنوات حوار حقيقية، تفاديًا لتداعيات قد تضر بأمن لبنان والمنطقة برمتها.