حزب ماسك الجديد: هل هو تحدٍ سياسي جريء أم تجربة يائسة؟

بين تأرجح قناعات سياسية عميقة وقدرات مالية لا تُضاهى، يدخل إيلون ماسك ساحة واشنطن عبر مدخل غير متوقّع: حزب جديد يُسمّى “حزب أميركا”. وفي الوقت الذي يراها البعض مغامرة واعدة لتحطيم الاستقطاب الثنائي، يرى آخرون أنها ربما تكون فقاعة طموح ضخمة تصطدم بجدار الودائع القانونية والنظامية. ويأتي ترامب، حليف ماسك السابق، ليصف المشروع بأنه “ضلّ الطريق”، في صدام يعكس التقلّبات الحادّة في العلاقة بين المال والسلطة في أميركا المعاصرة.
ما هو “حزب أميركا“؟
في خطوة مفاجئة، أعلن ماسك تأسيس “حزب أميركا” كـ”بديل ثالث” منافس للحزبين الحاكمين – الجمهوري والديمقراطي – ومفعم بطموحات اصلاحية. وفق رؤيته، يمثّل الحزب “80% من الأميركيين مستقلين أو من الوسط”، ويطرح نفسه كمنصة تقليدية ماليًا وتكنولوجية حديثة، بلا ما يصفه الماسك بـ”قيود الأيديولوجيا السائدة”.
ماذا يطمح ماسك؟
التركيز على الكونجرس: بدل السعي للرئاسة، يتجه ماسك نحو تعزيز التأثير التشريعي من خلال دعم مرشحين في مجلس الشيوخ (2–3 مقاعد) ومجلس النواب (8–10 مقاعد)، ممن عارضوا مشروع قانون ترامب الأخير.التأثير المحدود لكنه محوري: في الظروف الحالية، يمكن لأي كتلة صغيرة أن تصبح محور تحوّل سياسي، وتُغري مرشحين ينتزعون السلطة من بين يدي الحزبين التقليديين.
جذور الخلاف مع ترامب
كانت علاقة ماسك بترامب وثيقة يومًا، لكن تحوّل ذلك بعد خلافات بشأن مشروع قانون الميزانية والطاقة. ويُظهر الآن ترامب ضده بلهجة حادة:“خرج تمامًا عن المسار”، “حطام قطار”.“الحزب الثالث لا يجلب إلّا الفوضى”.هجوم شخصي: اتهامات بتفضيل معينين لمواقع حساسة مثل ناسا.
جاذبية للأميركيين المستقلّين
تشير استطلاعات مثل تلك التي أجرتها غالوب إلى أن 58% من الأميركيين يؤيدون إنشاء حزب ثالث. وهذا يمثل فرصة لماسك لتجنيد:ليبرتاريين،مستقلين،المعتدلين من الجمهوريين والديمقراطيين الذين سئموا الاستقطاب.رسالة “حزب أميركا” تحمل في طياتها وعدًا بتوحيد أصوات المليوني مستقلين، وتعزيز الحكم الصالح.
عقبات النظام الأمريكي
لكن الطريق محفوف بالتحديات:الوصول لأوراق الاقتراع:كاليفورنيا: 75 ألف عضو أو مليون توقيع.تكساس: أكثر من 80 ألف توقيع موثّق.كل ولاية بنظامها — لكل منها متطلبات خاصة، وموعد مجحف لمنح الأوراق.الأطر التنظيمية الفيدرالية:
بمجرد الاعتراف بـ”حزب أميركا” لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية (FEC)، تُفرض قيود على التبرعات: 10 آلاف دولار للفروع و44,300 دولار للجنة المركزية سنويًا.ثقافة تنظيمية ميدانية شبه معدومة: يحتاج الحزب إلى كوادر محلية، أطر تنظيمية، برامج انتخابية، أسماء موثوقة، وهي عناصر لم تُبنَ بعد.
هل هي مغامرة الانتخابات أم استراتيجية تأثير؟
أعلنت تجارب مثل:حزب الإصلاح (روس بيرو 1992): فاز بـ18.9% من الأصوات الشعبية، لكن بلا أي صوت في المجمع الانتخابي، ثم انهار.حزب الليبرتاريين والخضر: حجم ثابت دون تجاوز 3%.حركة “نو ليبلز” (وسطية 2024): انسحبت وسط ضعف الدعم.ولذلك، يبتعد ماسك عن الترشّح المباشر للرئاسة (على الأقل الآن)، ويتجه نحو استراتيجية الكونغرس أولًا.
صُناع الملوك في واشنطن؟
إذا نجح “حزب أميركا” في إحداث اختراق محدود، قد يتحوّل إلى:كتلة تأرجح تُركّب على الطاولة التشريعية،و”صانع ملوك” حقيقي يفرض نفسه في الكونغرس كمنافس أو شريك تحت الضغط.وقد تثير حملة دعم خصوم داخلية في الحزب الجمهوري “جمهوريي الوسط” (Trump–aligned)، وقد تشتت الأصوات لصرف النظر عن الديمقراطيين الذين يشعر بعضهم بعدم التوافق مع تقدمية الحزب.من المستفيد؟ الجمهوريون أم الديمقراطيون؟يتجه ترامب إلى وصف الخطر على الجمهوريين،تقول كارين تومولتي (Wash. Post):“غير مؤكد إن كان الضرر أكبر على الجمهوريين؛ ‘ناخبو لا لترمب’ قد ينجذبون إلى حزب ماسك”.ليبرتاريون ومستقلون، مشدّدون اقتصاديًا واجتماعيًا، قد يجدون في حزب أميركا ملاذًا، لا سيما أولئك الذين خسروا ثقتهم في الحزبين.
التحدّي الزمني
المسار التنظيمي يجب أن يبدأ قبل فبراير 2025 (السباق النصفي 2026)، مما يترك أقل من عام لبناء البنية القانونية والتنظيمية.
لكن حتى الآن لا توجد قيادات معلنة، أو قائمة مرشحين، أو اتصال شعبي محلي ملموس. رغم ذلك، نهايات محتملة ظهرت: دعم من مارك كوبان وأنتوني سكاراموتشي.
هل ينجح؟
في هذه النقطة، يصبح السؤال: هل “حزب أميركا” بوابة للتغيير، أم مجرد فقاعة تسلط ضوءَ تأسيسها؟ إذا نجح ماسك في دعم نواب مستقلين في دوائر حاسمة، فقد يتحوّل لفاعل أساسي في واشنطن، حتى بدون الرموز الكبيرة أو الهياكل. ولكن إن فشلت الخطوة، فإنها ستسجّل في سجل محاولات الحزب الثالث كفشل جديد في ظل نظام ثنائي لا يرحم.بينما يوازن النظام السياسي الأميركي على حافة حاجز لم يُكسر منذ عقود، يُشعل ماسك التحدّي الأكبر منذ حركة بيرو 1992. يمتلك المال، التأثير الرقمي، والجرأة، لكن هل يمتلك الأساس التنظيمي المطلوب للتغيير؟ وهل يستطيع أن يصدّم النظام بدلاً من أن يُحطِّمه على نفسه؟ القادم وحده كفيل بأن يكشف ما إذا كان “حزب أميركا” سيكتب فصلاً من تاريخ الإصلاح السياسي، أو عنوانًا لفقاعة انتخابية لا تُذكر إلا كأحلام التغيير التي لم تقِم على أرض ثابتة.