الحلقة 45: مصطفى بكري يشارك شهادات وذكريات للجمهور، والبرادعي يدعو للتحرك

– تفاصيل اجتماع البرادعي مع السفيرة الأمريكية وسفراء الغرب في منزله
– مارجريت سكوبي تهدد بتدويل قضية خالد سعيد وتتحدث عن مخطط التغيير
– البرادعي يتحالف مع الإخوان ويكشف عن نيته للترشح لرئاسة الجمهورية
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودي بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.أروى هذه الشهادات التي ينشرها موقع “الجمهور” بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.في هذه الحلقات التي ينشرها موقع “الجمهور” يوم “الجمعة” من كل أسبوع، يروي الكاتب والبرلماني مصطفى بكري شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسيكانت التطورات التي تشهدها البلاد خلال النصف الأول من عام 2010، عاملًا مهمًا في التفاف بعض النخب حول الدكتور البرادعي الذي كان لهم بمثابة المنقذ الذي لا يستطيع أحد من رجالات النظام الاقتراب منه، كونهم يعرفون علاقته بالغرب والأمريكان، وفي نهاية شهر يونيو 2010، حدث لقاء بين البرادعي والسفيرة الأمريكية في القاهرة «مارغريت سكوبي»، وعدد من سفراء الدول الغربية.. كان اللقاء قد عقد في منزله وبحضور عدد من المقربين إليه.
لقد أكد البرادعي في تصريحات إلى صحيفة المصري اليوم في الأول من يوليو «أن اللقاء مع السفيرة الأمريكية والسفراء الأوروبيين تم بناء على طلب منهم لمناقشة الأوضاع السياسية المصرية، وقال: إن الحوار بيني وبينهم امتد إلى الأوضاع الداخلية وأهمية عملية التغيير للشارع المصري.أما مصادر السفارة الأمريكية فقد أكدت في هذا الوقت: إن طلب اللقاء واتمامه جاء تعبيرًا عن حرص السفارة على التعرف من قريب على الشخصيات السياسية المصرية التي من الممكن أن يكون لها دور في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة.يومها قلت في مقال نُشر بجريدة الأسبوع في 2 يوليو 2010 بعنوان الوجه الآخر للبرادعي: إن هذا اللقاء بقدر ما يثير الدهشة، بقدر ما يكشف عن الوجه الآخر للبرادعي، وأجندته التي تتشابك مع قوى خارجية لا تريد خيرًا لهذا الوطن، وهو أمر كنا نعرفه منذ البداية، وانتظرنا لحين تكشف الحقائق كاملة.

أجندة اللقاءوقلت: إن من تابعوا تفاصيل هذا اللقاء واستمعوا إلى رؤية د. البرادعي لمضمون المباحثات التي جرت، تأكد لهم بالفعل أن اللقاء لم يكن بروتوكليًا أو عابرًا، بل كان لقاء عمل، حمل أجندة من ثلاث نقاط مهمة، حملتها السفيرة الأمريكية، وراحت تناقشها الواحدة تلو الأخرى.كانت القضية الأولى متعلقة بما أسمى بـ «البديل الآمن» لنظام الحكم في مصر، ودور البرادعي في ذلك، وكيفية رأب الصدع الحاصل في الجمعية الوطنية للتغيير وبعض كوادر الجمعية وخاصة د. حسن نافعة رئيس الجمعية والإعلامي حمدي قنديل المتحدث باسم الجمعية.وكانت القضية الثانية متعلقة بالتحالف بين البرادعي والإخوان، وإمكانية توسيع جبهة التحالف لتشمل قوى سياسية وعلمانية ومنظمات للمجتمع المدني لها أهدافها السياسية والحقوقية.وكانت القضية الثالثة، متعلقة ببحث إمكانية تدويل قضية الشاب خالد سعيد (سنأتي على ذكرها) وهو الذي لقى مصرعه مؤخرًا في الإسكندرية وبحث سبل التصعيد القانوني حول هذه القضية.لقد لخصت السفيرة الأمريكية رؤيتها التي طرحتها على الوجه التالي:-– إن واشنطن ومعها دول الغرب تشعر بحالة من القلق على مستقبل النظام السياسي في البلاد، في ضوء حالة الإحتقان التي تسود المجتمع المصري في الوقت الراهن، وإصرار النظام على رفض تبني أجندة الإصلاح، وهو أمر من شأنه أن يزيد من حدة تفاقم الأوضاع، وهو أمر يجعل واشنطن وحلفاؤها مهمومين بالبدائل المطروحة في حال حدوث فراغ سياسي في السلطة.– إن واشنطن تفضل التعامل مع نظام مدني بديل يستند إلى انتخابات حرة ونزيهة تشارك فيها الأحزاب والشخصيات العامة، وهو أمر يوجب على الحكومة المصرية تعديل الدستور، وإلغاء حالة الطوارئ وضمان الإشراف القضائي على أي انتخابات مقبلة.– إن الولايات المتحدة ودول أوروبا رحبت بحق الدكتور البرادعي في السعي لترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات حرة ومباشرة، وأنها متعاطفة معه في مطالبة بتعديل المادة «76» من الدستور، بحيث يتمكن هو وغيره من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر إجراؤها في عام 2011.

– أنها ترى أن مشروع البرادعي الذي طرحه في حواراته وبياناته حول الإصلاح هو مشروع مناسب للحظة الراهنة، ولنزع فتيل الاحتقان وإجراء تطور سلمي للعملية السياسية يقوم على الحق في الاختلاف وإجراء انتخابات حرة وضمان حقوق الأقليات وترسيخ أسس التعاون وتحقيق السلام.-أن هناك حالة انزعاج من الانقسام الحاصل بين د. البرادعي وكوادر الجمعية الوطنية للتغيير، والذي كان من نتيجته حدوث ما يشبه الحرب الإعلامية بين الطرفين، وهو أمر يجب تداركه فورًا، لأنه يعوق تنفيذ برنامج التغيير المنتظر، ويضعف من الحركة السياسية والجماهيرية التي بدأت تلتف حول البرادعي..– أن واشنطن ودول أوروبا ليست ضد التحالف بين البرادعي والإخوان، بل هي تشجع ذلك، غير أنها تطلب أخذ التعهدات على جماعة الإخوان بموافقتهم على اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وعدم تكرار نموذج حماس في مصر.– أن قضية مقتل الشاب خالد سعيد، تُلقى اهتمامًا خاصة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي، وأن ما جرى هو دليل حي على إهدار حقوق الإنسان في مصر، الأمر الذي يجعل من الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون لقبول مطالب المنظمات المدنية المصرية بتدويل القضية لمحاسبة المتورطين، إلا أنها تفضل الانتظار لحين انتهاء التحقيقات التي تجريها الجهات القضائية في مصر.البرادعي يكشف عن وجههكان البرادعي يتحرك في هذا الوقت في جميع الأوساط النخبوية، ويلتقي الأحزاب، وقد وثق علاقاته بجماعة الإخوان، حيث صرح بأن خطة العمل التي يستند إليها في تحركاته تقوم بالأساس على العناصر الجديدة من الشباب، بالإضافة إلى بعض رموز التيارات السياسية الكبرى وتحديدًا جماعة الإخوان، وأن خطته الطموحة تحقق نجاحًا يوميًا يعبر عن نفسه في انضمام العديد من القطاعات المجتمعية التي حملته نحو التغيير.لقد أشار البرادعي في تصريحاته: إلى أنه لا يفضل العمل مع بعض الرموز، والتي هي بالأساس من بقايا الكوادر التي تربت في ظل أفكارة ثورة يوليو الشمولية، وأنه يُفضل الاعتماد على العناصر الليبرالية الجديدة التي تضع قضية الإصلاح الشامل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا على سلم أولوياتها.وأكد البرادعي: أن قضية السلام والتسوية السياسية هي السبيل الوحيد لحل الصراع مع إسرائيل، وإنهاء خياره الوحيد المعلن منذ البداية، وأنه يرفض منطق تأجيج حدة العداء للآخر، وأنه قادر على إقناع الكثير من القوى بضرورة الاحتكام إلى المنطق وتوازنات القوة الراهنة التي تجعل العرب جميعًا أمام خيار واحد ووحيد، وهو خيار التسوية.قبل هذا الوقت بقليل كان البرادعي قد شارك في مظاهرة الإسكندرية للتضامن مع أسرة «خالد سعيد» الذي لقى مصرعه، ومن هناك قال البرادعي: إن مشاركته في المغامرة أكدت له: أن الناس تواقه للتغيير، وأنه يفكر جيدًا في الطرح القائل بضرورة تدويل قضية «خالد سعيد» وتشكيل لجنة تحقيق دولية في الحادث للتوصل إلى الحقيقة بعد الجدل الدائر حول مدى صحة تقرير الطب الشرعي.كانت تصريحات البرادعي قد أثارت ردود أفعال غاضبة لدى المصريين، حيث أدرك كثيرون أن أجندة البرادعي هي أجندة خارجة، وأنه غير مهتم بسيادة الوطن، ورفض التدخل في شئون البلاد.لقد شهدت أكثر من مؤتمر أبدي فيه الكثيرون غضبهم على البرادعي ومواقفه، وتساءلوا عن خطته المستقبلية وتحالفاته والقوى الداعمة له، لقد تحدثت في أكثر من برنامج تليفزيوني في هذا الوقت وحذرت من الخطر القادم ومضمون الأجندة التي يحملها البرادعي.وكانت المؤسسات الأمنية الحكومية في حالة انزعاج شديد من تحركات البرادعي، حيث رأت أنه يخلق حالة قلق وتحدي صريح لمؤسسات الدولة، بالإضافة إلى أنه فتح الطريق أمام تدخل واشنطن والغرب في شئون السيادة المصرية.كان لهذه التحركات التي يقوم بها البرادعي في هذه الفترة صداها الداخلي والخارجي، وكان البعض يوجه انتقاداته للنظام المصري ليس فقط بإعتباره سمح للبرادعي للتشكيك في مؤسسات الدولة واستدعاء الخارج وتحريضه على الداخل، وإنما أيضًا لعجز النظام عن حل المشاكل الحياتية للمصريين.لقد رأت قطاعات كبيرة من هذه القوى، أن النظام لا يريد إلا أن يسمع نفسه، وأنه مصمم على إقصاء معارضيه، كما أن مبدأ تعديل الدستور أو تداول السلطة في البلاد أصبح من المستحيلات، وهو الأمر الذي دفع الرئيس «باراك أوباما» إلى الاستجابة لضغوط الديمقراطيين في الكونجرس الذين طالبوه بممارسة الضغوط على النظام المصري وفتح حوار مع معارضيه تمهيدًا لإجراء تغييرات سلمية في البلاد.كان الغرور قد تملك البرادعي، بفضل مساندة الأمريكان والغرب له، ومع نهاية شهر يونيو كان البرادعي قد أجرى حديثًا مع قناة (BBC) البريطانية قال فيه: إن 90% من الشعب المصري يتعاطف مع فكرته القائمة على التغيير، وأنه قادر على تحقيق الفوز على الرئيس مبارك أو نجله جمال في أي انتخابات قادمة.لقد سخر المصريون من حديثه الذي قال فيه: «أنا أشهر شخصية مصرية في العالم، وأن عدد الروابط التي تحصني على الإنترنت قد بلغت 6 ملايين رابط، وأضاف: أعتقد أنني أكثر مصري تتحدث عنه الأخبار في الإنترنت، وعليكم أن تسألوا: لماذا يلتف الشعب المصري حولي؟ إنهم يرون أن هناك شخصًا جاء إلى مصر له خبرة ومصداقية، فأراد أن يعمل معه في طريق التغيير، إذا تم السماح لي بتكوين حزب أدخل به انتخابات حرة، أعتقد أن لدي فرصة جيدة أيًا كان المرشح في المقابل!!لقد أكدت في هذا الوقت: أنه وبغض النظر عن الخلافات مع النظام الحاكم، إلا أنني أرفض أن أضع يدي في يد شخص جاء إلى البلاد ليفتح الطريق أمام التدخل الأجنبي في شئونها، ويحرض الأطراف الخارجية ضد مصر، بغض النظر عن الشعارات التي يطرحها، وهي في كل الأحوال شعارات الهدف منها الوصول إلى السلطة في البلاد.