في خضم العواصف الحديدية والنارية.. ترامب يكشف الحقيقة عن كييف وأوروبا تتجه نحو الكرملين.

في ليلٍ يتطاير فيه الحطام وتحت سماءٍ تُخرق بصافرات الإنذار، كانت كييف تترقّب، لا قصفًا روسيًا فقط، بل قرارًا مفصليًا جاء من آلاف الأميال، من البيت الأبيض. هناك، اتخذت واشنطن قرارها: وقف تسليم شحنة أسلحة استراتيجية لكييف، في خطوة بدت أقرب إلى انتزاع درع الحماية الأخير من مدينة تنزف على مدار ثلاث سنوات.القرار الأمريكي شكّل صدمة مدوية في أوكرانيا، وألقى بظلاله الثقيلة على العواصم الأوروبية، بينما بدا في موسكو أشبه برسالة نصر مبكر. إنه تبدل في عقارب الحرب، وإعادة رسم لعقيدة التحالفات. في زمن لا يرحم الضعفاء، تتغيّر مواقع الحلفاء وتتداخل خرائط الصراع، ويتصدر السؤال: إلى أين تسير الحرب في أوكرانيا؟
قرار مفاجئ… وأوكرانيا بلا غطاء
وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت، بعبارات صارمة، أنها أوقفت إرسال شحنة من الأسلحة المتطورة كانت مخصصة لأوكرانيا، تشمل صواريخ “باتريوت” الدفاعية، وصواريخ “جو-أرض”، وذخائر دقيقة التوجيه، تحت مبرر “ضرورة تعزيز المخزون الأمريكي لمواجهة تحديات مستقبلية”.المتحدثة باسم البيت الأبيض أكدت أن القرار “يضع مصالح الولايات المتحدة أولًا”، وهو ما اعتُبر تحولًا نوعيًا في خطاب الإدارة الأمريكية، التي طالما كررت التزامها غير المشروط تجاه دعم أوكرانيا في وجه روسيا.لكن في كييف، لم تكن تلك مجرد “مراجعة لوجستية”، بل قُرئت كصفعة سياسية وعسكرية. عضو لجنة الدفاع في البرلمان الأوكراني وصف القرار بـ”المؤلم”، مؤكدًا أنه يأتي في ذروة واحدة من أعنف الهجمات الروسية المشتركة، تزامنًا مع قصف روسي غير مسبوق أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة في العاصمة والمدن الشرقية.
بوتين يربح في صمت
في موسكو، كان للقرار وقع مختلف تمامًا. الكرملين لم يُخفِ ارتياحه. اعتبر الخطوة بمثابة “اعتراف ضمني بفشل الرهان الغربي على إطالة أمد الحرب”. مصدر دبلوماسي روسي وصف التراجع الأمريكي بأنه “فرصة استراتيجية”، مؤكداً أن إضعاف الجبهة الأوكرانية سيُجبرها عاجلاً أم آجلاً على الجلوس إلى طاولة التفاوض من موقع أضعف.ومن المرجح أن يعزز القرار الثقة الروسية في مواصلة الضغط العسكري، خاصة في ظل الأنباء التي تتحدث عن أن كييف تعتمد على منظومات الدفاع الأمريكية بنسبة تتجاوز 60%، ما يضع دفاعاتها في خطر فعلي خلال الأشهر المقبلة.
أوروبا… تبحث عن دور وسط العاصفة
في العواصم الأوروبية، لم يمر القرار دون ردود فعل غاضبة. قادة فرنسا وألمانيا وبولندا عبروا عن قلقهم البالغ من انسحاب واشنطن جزئيًا من المشهد العسكري. هناك حديث جاد الآن عن ضرورة تشكيل “مبادرة دفاع أوروبية مستقلة”، تهدف إلى تقليل الاعتماد على المظلة الأمريكية.الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الأولى منذ سنوات، أكد في بيانه أن “فرنسا لن تتخلى عن دعم أوكرانيا”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أهمية “وقف فوري لإطلاق النار وفتح مسارات تفاوض جادة”.هذا التبدل في لهجة ماكرون يعكس قلقًا أوروبيًا من أن يُترك القارة وحدها في مواجهة تصعيد روسي قد يمتد لاحقًا إلى ما وراء حدود أوكرانيا.
هل اتفقت واشنطن وموسكو على نهاية الحرب؟
تشير تحركات إدارة ترامب إلى استراتيجية جديدة أكثر براغماتية تهدف إلى إنهاء الحرب، دون الانجرار إلى التزامات طويلة الأمد. البنتاغون أعلن أنه يعمل على تقديم “خطة بديلة” تتيح الاستمرار في دعم أوكرانيا دون استنزاف المخزون العسكري الأمريكي.لكن من جانب آخر، يرى مراقبون أن واشنطن قد فتحت الباب أمام تفاهمات مبطّنة مع موسكو، خاصة بعد أنباء عن تحويل بعض أنظمة الدفاع الجوي المخصصة لأوكرانيا إلى الشرق الأوسط، في ظل التصعيد الإقليمي هناك.هذا التوجه يتماشى مع عقيدة جديدة في واشنطن تركّز على “التهديدات الأكبر” القادمة من آسيا، وخصوصًا من الصين، مقابل تقليص الحضور الأمريكي في أوروبا الشرقية.
ترامب: لا أسلحة مجانية بعد اليوم
الرئيس الأمريكي كان واضحًا في تصريحاته: “نحن لا نقدم أسلحة على بياض، إنهم يريدون صواريخ باتريوت، وسنرى إن كنا سنوفر بعضها”، مضيفًا أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى هذه الأنظمة أكثر من أي وقت مضى”.تصريحاته فتحت جدلاً داخليًا في واشنطن، بين من يرى أن القرار يشكّل انسحابًا أخلاقيًا من ساحة المعركة، وبين من يعتبره خطوة عقلانية لضبط النفقات العسكرية في ظل التحديات العالمية المتزايدة.
ضغوط داخل أوكرانيا… وخطة طوارئ
في كييف، بدأ التحضير لما يوصف بـ”الخطة الدفاعية البديلة”، تتضمن تعزيز الإنتاج المحلي، وتسريع الاتفاقات مع دول أوروبية لتوريد أسلحة دفاعية قصيرة المدى.لكن الحقيقة المرّة تبقى: لا يوجد بديل حقيقي للسلاح الأمريكي ، لا في الكفاءة ولا في الكمية. وقد بدأت أصوات داخل أوكرانيا تطالب القيادة بفتح قنوات خلفية مع موسكو، من أجل تجنب انهيار الجبهة العسكرية في حال استمرار تراجع الدعم الغربي.
أوروبا تسعى للحاق بالركب
في مواجهة هذا التغير الأمريكي ، بدأت أوروبا فعليًا تحريك أدواتها. البرلمان الأوروبي يناقش إنشاء صندوق طوارئ عسكري، بقيمة تتجاوز 100 مليار يورو، لدعم أوكرانيا على المدى الطويل.كذلك تسعى دول مثل ألمانيا وبريطانيا إلى مضاعفة إنتاج الأسلحة وتوسيع التعاون الدفاعي فيما بينها، في محاولة لسد الفراغ الأمريكي المتسع.
ختامًا: زمن ما بعد اليقين
التغيرات المتسارعة التي نشهدها ليست مجرد تحول تكتيكي في الحرب، بل تمثل ولادة نظام عالمي جديد، تتراجع فيه القواعد القديمة ويعاد فيه توزيع موازين القوى.القرار الأمريكي بتجميد الدعم العسكري لكييف لم يكن مجرد أمر إداري، بل حدثٌ مفصلي أعاد ترتيب الأوراق وأشعل سباقًا جديدًا نحو إعادة التموضع. ومع استمرار الضربات الروسية، وتسارع الحراك الأوروبي، يطفو على السطح سؤال واحد:هل تكتب الأيام القادمة نهاية هذه الحرب؟ أم بداية حرب باردة جديدة تتجاوز حدود أوكرانيا لتطال العالم بأسره؟