«خطة نارنيا» و«الزفاف الأحمر»: كيف تمكن نتنياهو وترامب من خداع إيران بخطة تبدو خيالية؟

«خطة نارنيا» و«الزفاف الأحمر»: كيف تمكن نتنياهو وترامب من خداع إيران بخطة تبدو خيالية؟

في منتصف ليلة 13 يونيو 2025، كان جنرالات جيش الإحتلال الإسرائيلي مجتمعين في مخبأ سري تحت مقر سلاح الجو، يراقبون لحظة تاريخية: هبوط الطائرات الإسرائيلية في سماء طهران، في عملية عسكرية جريئة أُطلق عليها اسم «الزفاف الأحمر». ساعات قليلة فقط بعد هذه اللحظة، قُتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، في ما وصفته صحيفة «وول ستريت جورنال» بأنه «مذبحة جماعية» أقرب إلى مشاهد الدراما في مسلسل «جيم أوف ثرونز».التقرير الذي نشرته الصحيفة الأميركية كشف تفاصيل هذه العملية غير المسبوقة، القائمة على مزيج متقن من المعلومات الاستخباراتية والدقة العسكرية، ما أثار دهشة العالم وأعاد صياغة قواعد الصراع في الشرق الأوسط. لكن هذه ليست سوى بداية قصة الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، والتي ضمت فصولًا من التخطيط المعقد والمخاطر الكبرى، وسط صراع النفوذ بين رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب.

مخاطر عالية وخطط معمقة

بدأت الحكاية في منتصف التسعينات، عندما رصدت المخابرات الإسرائيلية محاولات إيران الناشئة لتطوير برنامج نووي عسكري. منذ ذلك الحين، شرعت إسرائيل في بناء شبكة تجسس داخل إيران، نفذت خلالها عمليات تخريب واغتيالات استهدفت العلماء والمواقع النووية. لكن المسؤولين أدركوا أن هذه الجهود لن تكون كافية لوقف طموحات إيران، وأن الأمر يتطلب ضربة جوية شاملة تستهدف المنشآت وقادة البرنامج النووي.هذا التحدي كان هائلاً، فالمسافة بين إسرائيل وطهران تزيد على 1000 ميل (نحو 1600 كيلومتر)، مما استدعى تحضيرات استثنائية للطائرات المقاتلة. أجرت إسرائيل تدريبات مكثفة على الطيران لمسافات بعيدة وتزود بالوقود جواً، وصولاً إلى إتقان إطلاق ضربات متزامنة على أهداف متفرقة بفارق زمني لا يتجاوز 15 إلى 20 ثانية، لضمان الحسم والنجاح في تنفيذ المهمة.في عام 2008، اختبرت إسرائيل هذه القدرات عبر ما عرف بـ«عملية إسبارتا»، عندما حلقت أكثر من 100 طائرة من طراز F-15 وF-16 لمسافة بعيدة في اليونان، فيما كان اختبارًا مهمًا لمدى جاهزيتها لمهاجمة إيران.

«عملية نارنيا»: هدفها العلماء النوويون

مع اقتراب إيران من تخصيب اليورانيوم إلى مستويات خطيرة، أطلقت إسرائيل حملة عسكرية أسمتها «عملية نارنيا» تيمنًا بسلسلة الروايات الشهيرة التي تدور في عالم خيالي. كان الهدف الأساسي تصفية تسعة من أبرز العلماء النوويين الإيرانيين داخل منازلهم، بشكل شبه متزامن، لمنعهم من تطوير برنامج نووي عسكري.تخللت العملية استخدامًا مكثفًا للطائرات المسيّرة، التي تم تهريب مئات منها إلى داخل إيران عبر حقائب سفر وشاحنات، بهدف تدمير منصات الدفاع الجوي وإطلاق الصواريخ. ومع إشراك الموساد وشبكاته الواسعة، تمكنت إسرائيل من رسم خريطة دقيقة لمنظومات الدفاعات الإيرانية، مما أتاح بدء الهجوم بسلسلة ضربات متزامنة.

«الزفاف الأحمر»: القتل الجماعي لقادة إيران

الجزء الأبرز من العملية كان ما عرف بـ«الزفاف الأحمر»، حيث تم استهداف كبار قادة القوات المسلحة الإيرانية دفعة واحدة، بهدف تعطيل قدرتهم على الردّ وفتح الطريق أمام المقاتلات الإسرائيلية لمواصلة القصف. لكن عند اقتراب الطائرات الإسرائيلية، بدا أن الإيرانيين كشفوا الخطة وحاولوا التفرق.المفاجأة كانت مروعة: بدلاً من التشتت، اجتمع القادة العسكريون الإيرانيون في موقع واحد، وكأنهم «حكموا على أنفسهم بالموت». وبعد دقائق، بدأت الصواريخ الإسرائيلية تنهال على الأهداف، معلنة نجاح الهجوم.

تمويه وترامب… خداع متقن

في الأيام التي سبقت الهجوم، عمل رئيس الوزراء نتنياهو وفريقه على تمويه التحركات العسكرية، وأعلن نتنياهو عن إجازة قريبة وحفل زفاف ابنه الأكبر، ليخفي النوايا الحقيقية عن الإيرانيين. حتى أن أقرب المقربين لم يكونوا على علم بنية تأجيل الزفاف بسبب العملية.على الجانب الأميركي، تزامن الهجوم مع جهود الرئيس دونالد ترامب الدبلوماسية للتفاوض مع إيران، حيث كان ينفي نية واشنطن في التصعيد ويعلن التزامه بحل دبلوماسي. في الوقت نفسه، كان الجنرالات الإسرائيليون يجهزون للهجوم، مستغلين هذه التصريحات لتخفيف الحذر الإيراني والحفاظ على عنصر المفاجأة.

هل حققت إسرائيل أهدافها؟

رغم نجاح العملية في تحقيق ضربات موجعة، إلا أن التساؤلات لا تزال قائمة حول مدى تأثيرها في الحد من طموحات إيران النووية. فوفقًا للتقارير، لم يتم التأكد بعد من مدى الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية الإيرانية، وما إذا كانت طهران قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي مجددًا.كما أن إيران، رغم الخسائر الكبيرة، لم تفقد القدرة على التعافي، وربما تكون اليوم أكثر عزماً من أي وقت مضى على تطوير سلاح نووي.

موازين القوة ومسارات الصراع المستقبلية

خلال هذه الحرب، استهدفت إسرائيل أيضًا وكلاء إيران في المنطقة: «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان، بالإضافة إلى فرض سيطرتها على المجال الجوي السوري بعد تغييرات سياسية جذرية هناك، مما مهد للطائرات الإسرائيلية التحليق بحرية تامة.كل هذه الأحداث تجسد تحولاً عميقًا في موازين القوى بالمنطقة، حيث تداخلت العمليات العسكرية الدقيقة مع استراتيجيات الاستخبارات والديبلوماسية، في لعبة معقدة من الخداع والتخطيط على أعلى المستويات.«عملية نارنيا» و«الزفاف الأحمر» لم تكونا مجرد هجوم عسكري، بل كانت عرضًا معقدًا من التخطيط الاستراتيجي والمخاطرة الكبرى، أدارها نتنياهو وترامب بإتقان ساعد إسرائيل على تحقيق ضربات نادرة في قلب طهران. لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة عميقة حول مدى قدرة إسرائيل والولايات المتحدة على كبح طموحات إيران النووية على المدى البعيد، وما إذا كانت هذه الحرب مجرد فصل من فصول صراع طويل في منطقة ملتهبة.في النهاية، يبقى الواقع أن القصة التي بدت أشبه بـ«خيال هوليوودي» هي حقيقة دامية تعيد تشكيل المشهد الأمني في الشرق الأوسط، وتعيد التأكيد على هشاشة السلم الدولي في مواجهة طموحات وأوهام القوى الكبرى.