محمد عبدالوهاب يكتب: “فتاة العنب”.. دماء على الأرض تبحث عن الجاني الحقيقي

صباح أمس الجمعة 27 يونيو 2025، وعلى الطريق الإقليمي أمام قرية مؤنسة بمركز أشمون، تم دهس حلم 18 فتاة من قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، تتراوح أعمارهم بين 14 و22 عامًا، في حادث دهس مروع بين شاحنة نقل ثقيل وميكروباص، رحلن مع السائق إلى مثواهُن الأخير في 18 نعشًا، و3 فتيات جرِحن، واحدة منهن في حالة حرجة جدًا.مشهد صعب، تقيل على القلب، أم بتصرخ قدام التابوت، وأب مش عارف يقول إيه ولا يودع إزاي، وأهل البلد بيشيّعوا البنات بالعياط والدعاء، اللي حصل ده مش حادث مرور عادي، دي جريمة مجتمعية كاملة الأركان!
هؤلاء الفتيات، اللاتي عرفن إعلاميًا بـ”فتيات العنب”، كانو يعملن يوميًا مقابل أجر زهيد لا يتجاوز الـ130 جنيهًا، لجأن إلى العمل فور طلوع الشمس على أمل إدخال قوت على موائد ذويهن، اليوم، غادرن بيوتهن باكرًا، عائدات كجثث هامدة تاركين خلفهن مسافة من التساؤلات الموجعة: هل كانت حياتهن فقط أرقامًا في سجل وفيات أم أن النظام المسئول سيحاسب نفسه؟.المسؤولية على من تقع؟ هل على سائق الشاحنة، بدأت القصة عندما فقد سائق الشاحنة السيطرة – ربما بسبب النعاس كما أفاد شهود – أو ربما تعاطي مواد مخدرة، وذلك قبل أن يلوذ بالفرار ألجمته قوات الأمن بعد ساعات، وتحصل على “حبس احتياطي عدة أيام” لحين انتهاء التحقيق، إلا أن كلمات “حبس مؤقت” لا تفي بصنع ردع فعلي.فين الحكومة؟ فين المرور؟ فين وزارة النقل؟من الجناة الحقيقيون؟، من الذي سمح للاستغلال الاقتصادي أن يستمر دون حماية؟، من الذي تجاهل وضع طرق قاتلة لا تُلبّي أدنى معايير السلامة؟، أين مراقبة الصيانة الدورية وفرض الكاميرات والسرعة؟، ألم تتوقف وزارة النقل ومرور المنوفية عند العائد اليومي لهؤلاء الفتيات؟، إنها حملة إهمال كبيرة جزاءها دماء بريئة جرى إراقتها.الحكومة قررت صرف 100,000 ج لكل حالة وفاة وفق قانون التأمين الموحد، بالإضافة لدعم من وزارة التضامن يتراوح بين 200,000 ج للمفقودين و20,000 ج للمصابين، ولكن، هل التقدير المالي يغلق ثغرات الفقر؟، هل التعويض المالي يحل مكان العدالة ورحمة الأمهات؟.الأدهى، أن المنصات الصوتية والأزياء الفاخرة استعادت يوم السبت، بينما أهالي كفر السنابسة يدفنون آخر جثامين يوم الجمعة، لا مجال للرضا بأن تكون هذه الفاجعة مجرد “حادث” بلا ردع شامل، نرى سقوط الفتيات، ونطالب بتنفيذ صارم للقوانين، تحقيقات حيادية، فرض عقوبات، تعديل طرق، وضع كاميرات رادار، تأهيل سائقي النقل، فهذا واجب الشعب والمسئولين على حد سواء.بنات العنب مش هيتنسوا، ولازم دمهم يبقى سبب في تغيير حقيقي. مش عايزين ندفن بس، عايزين نحاسب.إكرام الميت مش دفنه بس، إكرامه كمان إن دمه مايروحش هدر.
رحم الله “شهيدات لقمة العيش” وجعل كل دم أريق لهن نورًا لطريق أمة ينهبها الإهمال.