تقرير اقتصادي: تراجع منتخب الكويت… فشل للإدارة والاقتصاد قبل الرياضة!

لم يكن احتلال منتخب الكويت الوطني لكرة القدم الترتيب الأخير في مجموعته المؤهلة لكأس العالم 2026 مجرّد خسارة رياضية، بل هزيمة لإدارة الدولة التي اعتادت تسجيل الإخفاقات المتتالية في مختلف القطاعات التنموية والاقتصادية والمالية والخدمية، لتصل خلال عقود الى تدهور لم تشهد مثله أي منظومة رياضية في العالم، بسبب إهمال وخلافات وصراعات وغياب الكفاءة والأهداف، ومرجع ذلك كله سوء الإدارة العامة.
فمنتخب الكويت الوطني لكرة القدم الذي كان أول منتخب عربي يفوز بكأس آسيا عام 1980، وأول منتخب عربي آسيوي يتأهل لكأس العالم عام 1982، وسيد بطولات كأس الخليج الذي حلّ عام 1998 في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في الترتيب 24 عالمياً، منافساً لمنتخبات دولية عريقة، كإسبانيا والمكسيك وأوروغواي، بات اليوم في الترتيب الـ 137 عالمياً، بجانب منتخبات دول شبه معدومة الإمكانات الاقتصادية والمالية، مثل إفريقيا الوسطى وبوتسوانا وسورينام، حيث فشل منتخب الكويت في اقتناص بطاقة من 8 بطاقات مباشرة وغير مباشرة متاحة لـ 16 منتخباً آسيوياً للتأهل للمونديال، فضلاً عن نصف بطاقة متاحة لمنتخب في قارة آسيا، بعد لعب «نظام الملحق» مع منتخب من أميركا اللاتينية.
واللافت في هذا السياق، أن منتخب الكويت حلّ في الترتيب الأخير بمجموعته، حاصداً 5 نقاط من أصل 30 نقطة متاحة، أي أسوأ في نتائجه من نتائج منتخب فلسطين الذي تعاني دولته الاحتلال الصهيوني، ويتعرّض شعبها للإبادة الشنيعة، ومع ذلك كان منتخب فلسطين أفضل أداء من منتخب الكويت وأفضل تصنيفاً، بحلوله في الترتيب 101 عالمياً.
في عام 2015 كلّف مجلس الوزراء هيئة الاستثمار دراسة «خصخصة الأندية» وحتى اليوم لم تصدر الدراسة أو تعلن نتائجها أو تتم متابعتها
هزيمة لا إخفاق
لا يمكن أن تحصر خسارة المنتخب الوطني في أنها مجرد إخفاق رياضي، بل هي هزيمة للإدارة والاقتصاد في الجهاز التنفيذي، التي باتت متصالحة مع الإخفاقات العامة في البلاد، لدرجة أن حلول المنتخب في المركز الأخير بمجموعته – رغم قسوة الحدث وكارثيته – فإنه لم يصدر أي بيان فيه تحمُّل للمسؤولية أو استقالة، لا من اتحاد كرة القدم، ولا من هيئة الرياضة، ولا من وزارة الشباب، ولا مجلس الوزراء، بل حتى الاعتذار الذي صدر أمس من اتحاد كرة القدم لا يحمل أي إشارة الى تحمّل المسؤولية، بل يُعد دون خطة واضحة بأن طريق الإصلاح يبدأ الأسابيع المقبلة، وهذا حديث عام لا يشير فقط إلى غياب المسؤولية، إنما أيضاً التعود على الفشل والإخفاق والتعامل معهما كأمر واقع، مثل الفشل والإخفاق في أي قضايا تنموية أو خدمية أخرى، كتأخر تنفيذ المشاريع كميناء مبارك أو المنطقة الشمالية أو تعثّر بيئة الأعمال من ضآلة الاستثمار الأجنبي إلى القيود على المشروعات الصغيرة، أو انخفاض جودة الخدمات من كهرباء وإسكان وتعليم إلى حفر الشوارع أو غياب الاستراتيجية الرياضية، كحال غياب برنامج عمل الحكومة والخطة التنموية… لذلك فإن مستوى منتخب كرة القدم هو انعكاس لواقع الإدارة العامة، ولكن بصورة أكثر جماهيرية وأكثر تبسيطاً من القضايا الاقتصادية المعقّدة.
المطلوب أن تكون هيئة الرياضة جهة إشراف وتنظيم ورقابة وقياس لأداء القطاع الرياضي عند خصخصته… كحال «المركزي» مع المصارف
تكريس وأعراض وبدعة
ومسألة الإصلاح الرياضي ليست جديدة في الكويت، فهي قضية متواصلة عبر عقود من الزمن، وغالباً ما يكون النقاش فيها موجّهاً نحو تكريس البيئة المريضة للرياضة من خلال محاولات إصلاح جمعيات عمومية لا تمتّ أصلاً للرياضة بأي صلة أو ارتباط بعضها يتجاوز عدد ناخبيها 10 آلاف عضو، فيما لا يكاد عدد مشجعيها يبلغ 100 مشجع، أو التركيز على أعراض المرض لا أسبابه، كخلافات الشيوخ والتجار، فضلاً عن تخلّي كل إدارة جديدة لاتحاد كرة القدم عن مسؤولية الاتحاد السابق، مع أن جميع الأشخاص يعملون في نفس المنظومة الرياضية، ولا يحاولون حتى تغييرها، وصولا إلى الانشغال بقضايا أقل من ثانوية، كفرض بصمة على اللاعبين لمحاسبتهم على حضورهم وانصرافهم، بدلاً من نتائجهم، وهذه «بدعة» ربما تنفرد بها رياضة الكويت عن بقية دول العالم.
ليست «طمباخية»
وقد يتساءل البعض: ما الحل الناجع لأزمة الرياضة في الكويت، بدلاً من استعراض مظاهر الفشل وأعراضه؟
لا شك في أن إصلاح الرياضة في الكويت، وليس كرة القدم فقط، لا يتطلب إعادة اختراع العجلة، بل التطبيق والفهم السليمين لمقاصدها وأغراضها، فالرياضة ليست «طمباخية»، بل تحتوي على أهداف وقيم اقتصادية من مناحي الخصخصة والاستثمار، وإدارية من جهة الاحتراف والتخطيط والثواب والعقاب، ومثُل عليا وقدوات اجتماعية في المنافسة والمثابرة، والبعد عن الأفكار والسلوكيات الخطيرة والسيئة والجريمة، ووصولاً إلى كونها قوة ناعمة لتسويق الدول، كما فعلت جنوب إفريقيا أو البرازيل أو قطر، فضلاً عن أنها تحمل رسائل ذات معنى إنساني أو لتغيير الصور النمطية، فكلمة من زين الدين زيدان (الفرنسي ذي الأصل الجزائري) يمكن أن تتصدى لليمين الفرنسي المتطرف، وسجدة للاعب ليفربول المصري محمد صلاح تبدّد الكثير من حملات «الإسلاموفوبيا» في الغرب، وتصريح من مدرب مانشستر سيتي، بيب غوارديولا، يلقي الضوء على معاناة غزة وحصارها وجرائم الصهاينة.
الرياضة ليست «طمباخية» بل اقتصاد وإدارة ومُثُل عليا وقدوات اجتماعية وقوة ناعمة لتسويق الدول وتغيير الصور النمطية
نموذج رياضي
ومن زاوية الاقتصاد والإدارة، فالحل السليم – نظرياً – للرياضة في الكويت هو في بناء نموذج رياضي جديد قائم على الخصخصة والاحتراف والاستثمار، إلا أنه على الصعيد العملي فهذا النموذج ليس عصا سحرية تعالج أمراض الرياضة الكويتية المزمنة، فالخصخصة ليست مجرد نقل للملكية من القطاع العام للخاص، والاحتراف عقلية إدارية متطورة، وليست فقط شراء للاعبين، والاستثمار وسيلة لدعم النشاط الأساسي التشغيلي، أي الرياضة نفسها، وليس هدفا بذاته، لذلك فالخوف في غياب جودة وجدية الهيئات الناظمة من مجلس الوزراء الى هيئة الرياضة أن يحوّل نموذج خصخصة الرياضة في الكويت الأندية الى شركات عقارية أو مجمعات تجارية.
فإذا لم تكن هناك جدية من مؤسسات الدولة في جعل هيئة الرياضة جهة إشراف وتنظيم ورقابة وقياس للأداء على القطاع الرياضي، بحد أدنى كرقابة بنك الكويت المركزي على القطاع المصرفي – حتى في ظل وجود بعض الملاحظات – فإن الحديث عن الخصخصة والاستثمار والاحتراف سيكون عبثاً واستخداماً لحل صحيح في بيئة خاطئة، مما يفضي دائماً لإخفاقات أوسع ونتائج أسوأ.
غياب الجدية
وفي الحديث عن غياب الجدية الحكومية، قد لا نحتاج الى أمثلة بعيدة عن الرياضة في الاقتصاد أو المالية العامة أو الخدمات أو المشاريع، بل بالرياضة نفسها، إذ كلف مجلس الوزراء عام 2015 الهيئة العامة للاستثمار بدراسة الجوانب المتعلقة بخصخصة الأندية الرياضية، ومذ ذاك التاريخ – أي قبل 10 سنوات – لم تصدر الدراسة أو تعلن نتائجها أو تتم متابعتها… فالتكليف الحكومي وقتها صدر كردّ فعل على خسارة قاسية لمنتخب كرة القدم في بطولة كأس الخليج، ثم طواها النسيان، فلذلك لا يستبعد أن تصدر ردّات فعل أخرى طالما كانت الإدارة العامة في البلاد لا تستوعب أن ما حدث لمنتخب الكويت ليس مجرد خسارة رياضية، بل هزيمة لإدارة الدولة تنسج على منوال العديد من الهزائم الاقتصادية والمالية والخدمية والتنموية.